الألفاظ بعضهما من بعض ، فالمشاركة بين اللفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر» (١).
ولعلنا نلحظ من ذلك صلة بين المعنى اللغوي أو الحقيقي للاستعارة ومعناها المجازي ، إذ لا يستعار أحد اللفظين للآخر في واقع الأمر إلا إذا كان هناك صلة معنوية تجمع بينهما.
وإذا شئنا التعرف على تاريخ «الاستعارة» لدى البلاغيين فإننا نجد الجاحظ «٢٥٥ ه» من أوائل من التفتوا إليها وعرّفوها وسمّوها وأفاضوا بعض الشيء في الحديث عنها.
فالاستعارة عنده : «هي تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه» ، ورد ذلك التعريف في تعليقه على البيت الثالث من الأبيات التالية :
يا دار قد غيّرها بلاها |
|
كأنما بقلم محاها .. |
أخربها عمران من بناها |
|
وكرّ ممسناها على مغناها |
وطفقت سحابة تغشاها |
|
تبكي على عراصها عيناها |
فقد علق الجاحظ على البيت الثالث هنا بقوله : «وطفقت ، يعني ظلت. تبكي على عراصها عيناها ، عيناها ها هنا للسحاب ، وجعل المطر بكاء من السحاب على طريق الاستعارة ، وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه» (٢).
__________________
(١) المثل السائل ص ١٤٣.
(٢) كتاب البيان والتبيين ج ١ ص ١٥٣ ، والعراص : جمع عرصة بسكون الراء ، وهي كما يقول الجاحظ : كل جوبة منفتقة ليس فيها بناء ، والجوبة : فجوة ما بين البيوت.