وتقع بغداد على نهر دجلة السريع الجريان وهي تعد مستودعا كبيرا للسلع التي ترسل منها إلى «هرمز» (١) والهند. ومياه نهر الفرات عكر دوما ولذلك تكون في الغالب غير ملائمة للشرب ، إلا بعد أن يظل الماء ساكنا مدة ساعتين أو ثلاث ، ويترسب الرمل والوحل منه في القعر فيكون سمك هذا الراسب زهاء البوصة أحيانا. وعلى هذا نجد السكان في الدور التي لا آبار فيها في المدن والقرى الممتدة على ضفاف النهر ، يستعملون أوعية كبيرة يملأونها بماء من النهر ثم يدعونها ساكنة إلى أن يروق ماؤها. أما إذا أرادوا أحيانا شرب الماء قبل أن يروق فإنهم يشربونه بمناديلهم.
جلب لنا الأهلون ، خلال مكوثنا في المدينة ، عدة أنواع من السمك اصطادوه من النهر بقصد البيع. وكان من بينها نوع يعرف باسم «الجري» وهو في شكله وحجمه يشبه النوع المعروف باسم «الشبوط» لكن بطنه أكبر وأوسع وأقل سمكا وكانت الواحدة من هذه الأسماك تزن أحيانا ثلاثة أرطال ، أو ما يعادل سبعة عشر أو ثمانية عشر باوندا.
وهذه الأسماك لذيذة الطعم جدّا وزهيدة الثمن إلى درجة أننا استطعنا أن نشتري واحدة منها بمبلغ «معدني» (٢) واحد وهو يعادل في عملتنا ثلاثة بني (٣).
وحين أراد ملاحو قاربنا اصطياد السمك شرعوا يرمون في النهر
__________________
(١) هرمزOrmutz جزيرة ومضيق هرمز في الخليج العربي وكانت كل السفن التي تمخر الخليج تمر بهرمز وتتزود منها بالوقود والمؤن (انظر : سليم طه التكريتي «الصراع على الخليج العربي» ط. ١٩٦٦).
(٢) «المعدني» نقد كان شائع الاستعمال في الامبراطورية العثمانية في تلك العهود وقد كتبه راوولف باسم (معيدن (Medin.
(٣) يقصد بكلمة عملتنا العملة الهولندية لكن المترجم الانكليزي حولها رأسا إلى العملة الإنكليزية (بني).