أتموا دراسة القمح حين وصولنا إلى هناك ، وأخذوا يضعونه في عربات تجرها الثيران. وقد تناثرت هنا وهناك قرى حسنة المنظر ، لكن المنطقة التي تأتي بعد النهر كانت مرتفعة وهي من نوع الأراضي التي تمتد مسافات طويلة إلى الشرق ، وتفصل أرمينية عن بلاد ما بين النهرين. ولم نر في بقعة مرتفعة جرداء سوى بعض الشجيرات والأدغال ، وعددا كبير من الحيوانات ، ولا سيما الخراف والماعز ، وهذه يؤتى بها كل يوم لتنقل من هناك عبر نهر الفرات ثم يدفع بها إلى حلب والأماكن القريبة الأخرى.
ويبلغ عرض النهر في المكان الذي يجري فيه عند المدينة حوالي ميل ، وهو عميق الغور وليس من اليسير إقامة جسر فوقه. ومع ذلك ، ولأنه لا يجري سريعا في ذلك المكان ، فلا يوجد أي خطر من الملاحة فيه إلا عندما يصبح عريضا جدّا (كما يحدث ذلك أيام الفيضان حين يجري وسط الصحاري الكبرى) ، أو حين يتفرع إلى فروع عديدة ، ففي مثل هذه الأحوال لا يعرف الملاحون الماء الأفضل الذي ينبغي لهم أن يسيروا فيه ، في الوقت الذي يخيل فيه إلى التجار أن في مقدورهم أن يصلوا بتجارتهم إلى «بغداد» (١) بأسرع وقت وبأقل أذى. فهؤلاء التجار يحملون تجارتهم برا إلى «أورفه» (٢) وإلى مدينة «قره آمد» الشهيرة التي تقع على مسيرة ستة أيام إلى الشرق عند حدود آشور وماذي (٣).
__________________
(١) أطلق راوولف على بغداد اسم بغدت Bagdet وهو اسم يذكره قدامى الرحالين والمؤرخين من الأوروبيين كما سماها بعضهم باسم بلداك وبلداشي Baldachi ومن هؤلاء الرحالة البندقي الشهير ماركوبولو.
(٢) أورفه هي مدينة «أرهوي» القديمة وعرفت لدى اليونان باسم اذسا. وقد سماها العرب باسم (الرها) وتقع الآن داخل الأراضي التركية والنسبة إليها (أورفه لي).
(٣) قره آمدCarahamit هي مدينة ديار بكر واسمها القديم (آمد) وقد استوطنتها قبائل بكر العربية وأقامت منازلها فيها منذ القرن الخامس للميلاد.