اتهمت أنا ورفيق لي ، من قبل بعض اليهود علانية بتهمة السكر مع ربان السفينة. وكان غرضهم من ذلك التدليل على أننا كنا من الأجانب وأن يحطوا من منزلتنا ويجعلونا ممقوتين ، لأنهم لم يقبلوا ـ حسب تقاليدهم ـ تناول الخمر معنا. ولقد نجح أولئك اليهود في غرضهم ذاك النجاح كله ، فما إن علم رجال الدين بهذا حتى حنقوا علينا وأخذوا قارورة الخمر وقذفوا بها في النهر ، ثم ما فتئوا أن أخرجوها من النهر وسكبوا ما فيها من خمر على الأرض. وكان من جراء ذلك أن اغتاظ الجند الذين كانوا يقفون معنا من هذا التصرف فشرعوا يوجهون إلى اليهود أقسى الكلمات تعزيرا وتوبيخا وراحوا يهددون كل مسيء بالعقاب. وفي اليوم التالي تلقى الشخص الذي تزعم تلك الحركة ، وكان عربيّا تابعا لإحدى فرق الدراويش ، عقابا شديدا لحادث تافه وقع منه مصادفة ومن دون قصد (١).
وإذ كانت أمتعتنا لما تزل مطروحة على أرض الشاطىء فقد أمضيت الليل فوق الأكياس إذ جاء دوري في الحراسة ليلتئذ. كان أحد الأفراد يحمل بيده كوز ماء فطلبت إليه أن يناولني إياه لأشرب منه شيئا. وحين مد يده بالكوز وهممت أن أتناوله منه ، وطأت مصادفة قيثارة أحد الأتراك فحطمتها. ومع أن ذلك التركي كان في مقدوره أن يثور ساخطا جراء ذلك إلا أنه ما لبث أن هدأ بعد أن علم أن لدي من الصمغ ما أستطيع أن أصلح به القيثارة. وفي الصباح جلسنا سوية فأصلحناها جهد المستطاع. وحين رآنا ذلك الدرويش منهمكين في إصلاحها أخذ منه الغضب مأخذه لأننا لم نساعد الآخرين في نشر الأمتعة المبتلة التي انتشلت من السفينة الغارقة ، ولذلك تناول القيثارة من بيننا فحطمها ورمى بها في النهر ثم عاد وهو يتظاهر بتوجيه كلماته نحونا ظنّا منه بأنه سينجح في هذا مثلما نجح
__________________
(١) في هذا القول تناقض مفضوح فالمعروف أن اليهود لا يحرمون الخمر وإنما حرمها الإسلام. ويظهر أن الذين اتهموا المؤلف ورفيقه بالسكر ليسوا من اليهود وإنما هم من رجال الدين المسلمين الذين دعاهم بالدراويش.