في قضية قارورة الخمر. غير أن صاحب القيثارة ما إن شاهد ذلك حتى تناول من الأرض خشبة كبيرة وراح يهوي بها على رأس ذلك الدرويش وعلى أطرافه عدة مرات حتى تدفق الدم من رأسه وأذنيه. واشتط غيظه في آخر الأمر فسحب بندقيته وحاول أن يضرب بها ذلك الدرويش وعندئذ فصلنا بينهما فتمت تسوية تلك القضية وإحلال الصلح بينهما.
كان منظر ذلك الدرويش مخيفا جدّا بشعره الأسود الطويل المسترسل وكانت تغطي بدنه ورأسه وصدره وذراعيه ندوب كثيرة أحدثها هو بنفسه لأنها تعتبر من الأمور المفيدة في نظر تلك الطائفة وغيرها ، مما يفعله غيرهم من الأتراك الذين يحتفظون بحروقهم البدنية وذلك باستعمال جمرات متأججة حمراء أو قطع من الكتان يبلغ سمكها زهاء البوصة يلفونها بقوة فتكون مفرطحة من الأسفل ومدببة من الأعلى على شكل هرم تماما ، ثم يشعلون فيها النار ويضعونها على أجسامهم العارية ويدعونها تحترق وهم يتحملون ذلك بالصبر الطويل إلى أن تنفد وتتحول إلى رماد ، وعندئذ يلفون حروقهم تلك بقماش من القطن. ويستعمل هؤلاء الطريقة ذاتها لمعالجة الرشح من الرأس أو العين بقصد تجفيفه أو سحبه إلى مكان آخر.
ولذلك شاهدت جملة من هؤلاء يحمل الواحد منهم زهاء عشرين من تلك الحروق معظمها على أذرعهم وتبلغ سعة البعض من هذه الحروق سعة «الشلن» (١) بالإضافة إلى الندوب والجروح الأخرى. ولم أستطع أن أعرف المصدر الذي أخذوا عنه هذه الطريقة اللا إنسانية في تجريح أجسامهم وتبضيعها إلا أن يكونوا قد أخذوها في القدم عن رهبان
__________________
(١) الشلن عملة إنكليزية في حجم الدرهم العراقي وكانت قبلا موازية له في القيمة أما الآن فإن قيمته أقل بعد الخفض الذي طرأ على الباون والتعديل الذي حدث في العملة الإنكليزية.