«الأكليروس» بل من «الشلبية» (١) أي السادة الأغنياء الذين يجدون متعة كبيرة في السفر أيام الشباب وتحت مظاهر القدسية مثل الحجاج الذين يعيشون على حساب الغير فيجوبون بلدانا وممالك عديدة بقصد المشاهدة والاطلاع ، والتعلم والإلمام بالتجارب.
كان هذا الشاب يرتدي صداريّا أزرق اللون يغطي جسمه ، ويتمنطق بحزام من الشاش ، وينتعل نعلين من جلود الشياه بالشكل الذي اعتاده أعراب الصحراء.
كذلك كان يسافر معنا رجلان آخران أيضا كان واحد منهما يضع في كل من أذنيه قرطا كبيرا سميكا سمك الأصبع يتدلى من شحمة أذنه على كتفه. وكان هذان الرجلان ينتميان إلى طائفة تعرف باسم «القلندرية» (٢). وهؤلاء يحيون حياة قاسية مضنية إذ إنهم من النساك الذين يجوبون القفار ويصلون إلى أي مكان يستطيعون الوصول إليه.
وقد اعتاد هؤلاء أن يقيموا الصلوات والأذان خمس مرات في اليوم ، مثلما يفعل ذلك المؤذنون من فوق مآذن المساجد. كان أحد هؤلاء ينفصل عنا ، حين يحين وقت الصلاة ، فيرفع صوته عاليا وكأنه لا يريد أن نسمعه نحن من على ظهر السفينة حسب بل وأن تسمعه الوحوش والحيوانات أيضا حتى إذا ما انتهى من صلاته عاد إلينا ثانية وهو ينظر إلينا نظرات ملؤها الجذل والورع.
أما زميله الآخر فكان درويشا من طائفة متزمتة في تعاليمها فهو يؤدي صلاته بكل خشوع وحمية ولا سيما بعد أن تغرب الشمس حيث يفد عليه الآخرون فيقفون سوية في شكل دائرة ثم يبدأون «صلاتهم» ـ كما
__________________
(١) الشلبي و «الجلبي» ـ بالجيم الفارسية ـ كلمة تركية تطلق على التاجر والغني وما تزال هذه الكلمة مستعملة في العراق وسوريا حتى اليوم.
(٢) القلندرية يقصد بها طائفة الدراويش وهي كلمة تركية الأصل كما أعتقد.