كنت أسمعهم ـ في صوت واطىء أول الأمر ثم يرتفع درجة بعد أخرى حيث ترتفع أصواتهم بعبارة «لا إله إلا الله» عالية تسمع من بعيد وهم لا ينطقون بعبارة أخرى غيرها ويكررونها وهم يديرون رؤوسهم من ناحية إلى أخرى وكأنهم ينظرون إلى بعضهم البعض ليدللوا على مقدار حبهم بعضهم بعضا ، ومن ثم يسرعون في القراءة فلا تسمع منهم في النهاية سوى كلمة «الله» (١) إلى أن يصيبهم الدوار ويتصبب العرق من أبدانهم.
أما الإمام فإنه يبدأ يضرب صدره بقبضة يده وتنطلق منه نغمة غريبة ويظل يردد كلماته تلك إلى أن يغمى عليه ويسقط على الأرض شبه ميت وإذ ذاك يلقي أصحابه عليه غطاء يدثرونه به ويدعونه راقدا وينصرفون إلى حال سبيلهم (٢).
وبعد أن يظل الإمام على تلك الحالة وقتا لا بأس به وقد فتن بصلاته أو برؤيته الرؤيا ، يعود إلى نفسه فينهض ويجلس أمام القوم مرة أخرى.
وهؤلاء المشايخ وإن كانوا يمارسون شعائرهم هذه بطريقة تفوق ، في نظرهم ، ما نص عليه الشرع ليحملوا الناس على الإيمان بهم تبعا لصبرهم وقسوة عيشهم وغيبوبتهم ، فإنهم قد يمارسون تحت ستار الطاعة السرقة والأعمال القذرة كما هو مألوف عنهم. ورغم ما يتظاهرون به من البساطة وعدم إلحاق الأذى بالغير ، فإن ما عرف من بدعهم وخبثهم قد
__________________
(١) كتب المؤلف كلمة «الله» مضمومة بالحروف اللاتينية.
(٢) إن ما أتى المؤلف على وصفه هنا ليس صلاة ولا علاقة له بها مطلقا وإنما هو ما يعرف بالأوراد أو الذكر التي يعقدها أصحاب الطرق الصوفية بعد أداء صلاة العشاء في أمسيات أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع عادة. كما أن إشارة المؤلف إلى صوت المؤذن المرتفع فيها نوع من التهجم البذيء لم يتجرد الأوروبيون منه حتى الآن.