أفقدهم الاحترام ، ولم يعودوا يحصلون على المزيد من الهبات كما كان يحدث ذلك قبلا. أما طريقتهم الغريبة في أداء الصلاة فإن أبناء دينهم يقولون عنها إن مثل هذا العابد إذا ما غير صوته الذي وهبه الله إياه إلى صوت غير طبيعي فإنه يكون بهذا قد تحول من إنسان إلى وحش!
وفي اليوم التالي سارت ملاحتنا سيرا حسنا فوصلنا عند الظهر إلى قلعة حصينة تدعى «قلعة النجم» (١) تقع على الضفة اليمنى من النهر فوق ربوة ضمن أراضي أمير العرب الذي خاض غمار حروب طويلة مع السلطان التركي ، وهذا ما استطعت أن أفهمه ولو أنني لا أعرف لغة القوم جيدا. ولم يستطع السلطان أن يلحق الضرر بالأمير العربي لأنه لم يستطع أن يتعقبه في الصحراء وذلك بسبب نقص الماء والزاد. ولقد بادر أكبر أنجال الأمير (٢) فتحصن في هذه القلعة ظنا منه بأنه سيكون بمنجاة من أي هجوم خارجي عليه ، وبذلك ارتكب خطأ فظيعا. لأن السلطان ما إن علم بوجوده هناك حتى عقد النية على احتلال القلعة رغم كل المصاعب التي تقف في وجهه. ولهذا الغرض استنفر كل قواته سنة ١٥٧٠ م وهاجم القلعة من ثلاثة أماكن في وقت واحد واستطال هجومه هذا أياما ثم استطاع بهجمة خاطفة أن يحتل القلعة ويقبض على ابن الأمير وأن يأخذه معه أسيرا إلى اسطنبول. وقد قيل عنه إنه قطع رأسه في السنة التالية.
وهذه القلعة محاطة بأسوار قوية ، وفي داخلها برج عال ضخم ، وهي لا تزال في نظري قوية وإن كانت قد تحولت إلى خرائب وبقيت الثغرات التي فتحت فيها على حالها دون ترميم.
__________________
(١) ذكر راوولف هذه القلعة باسم (غلانتزا (Galantza والصحيح أنها «قلعة النجم» التي تقوم على جبل يطل على نهر الفرات وكان عندها جسر يعبر به الفرات إلى «حران» وقد ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان.
(٢) ما أورده المؤلف هنا عن «أمير العرب» أو «الأمير العربي» إنما يقصد به شيخ إحدى القبائل العربية ليس إلا.