هبطنا أثناء الليل إلى جزيرة صغيرة في النهر غير مأهولة دون أن يعترضنا معترض ، وقد كنا فيها آمنين شر الأعراب ، لكننا ما إن تناولنا طعام العشاء وذهبنا لنرتاح حتى أقبل بعض الأعراب عند منتصف الليل نحونا زاحفين على بطونهم وهم يقصدون بضاعتنا أكثر مما كانوا يريدون زيارتنا ، ولما لم يغامروا بالتوجه إلى سفننا قبل أن ينكشف أمرهم لدى حراسنا فقد استقروا عند الشاطىء ، ولو لم ينكشف أمرهم لاستطاعوا سرقة بعض الأشياء الثمينة وإن كان من الميسور استعادتها منهم وذلك لعدم تمكنهم من نقله عبر النهر.
في اليوم الخامس من أيلول ظهر بعض الأعراب في الصباح الباكر على الشاطىء ، وانتشر عدد كبير منهم إلى مسافات بعيدة ، كما أخذنا نشاهد بعض الأفواج كان الواحد منها يضم ما بين أربعين وخمسين فارسا ، وقد استنتجنا من ذلك أن مضرب أميرهم غير بعيد عنا. وقد تأكد ذلك لنا حقّا. فحين نزلنا على البر عند الظهر أقبل أصغر أنجال الأمير ممتطيا صهوة جواد أدهم عال يحيط به رجاله وهم يبلغون المائة عدا ، ومعظمهم يحملون السهام والرماح المصنوعة من القصب.
كان نجل الأمير شابّا يافعا في حدود الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين من عمره ، أسمر اللون يعتم بعمامة بيضاء من نسيج القطن تتدلى إحدى نهايتيها إلى الوراء بحوالي ذراع طبقا لعادتهم في الملبس. وكان يرتدي عباءة (١) طويلة مصنوعة من جلود المواشي مغطاة بالقماش
__________________
(١) هذه العباءة التي ذكرها المؤلف هي المعروفة عندنا في العراق باسم «الفروة» ، وتصنع من جلود الأغنام ، وتغلف أحيانا بقماش بني أو أزرق اللون وتطرز حوافيها وأردانها بالأشرطة. وبعض هذه الفروات تكون قصيرة إلى ما فوق الركبة وبعضها الآخر يكون طويلا حتى القدمين وهذا النوع الأخير هو الشائع في إيران وفي المناطق الكردية من العراق.