حمل نجل الأمير البندقية بين يديه ، وسر برؤيتها سرورا بالغا ، وراح يردد قائلا إنها من صنع بلاد الأجانب ، إنها من صنع (الفرنك) (١) ، وذلك هو الاسم الذي يطلقونه على أبناء البلاد الأجنبية كالفرنسيين والألمان والإيطاليين وغيرهم إذ لا يعرفون أية فروق أو مميزات بين بلادنا. وإذ ذاك تقدمت أنا ورفيقي إلى الأمير فأفهمناه أننا قد أقبلنا مؤخرا من تلك البلاد في طريقنا إلى الهند.
وبعد أن ألمّ الأمير بذلك أخذ يتحدث إلينا برقة ، وأمر حاجبه بأن يتركونا ولا يفتشوا أمتعتنا ، وأخذ يطرح علينا أسئلة عن أمور شتى ثم التفت إلى رفيقي فانبأه بأنه يظن أن قد رآه قبلا ، وكان ذلك حقا إذ كان رفيقي يعيش في حلب ويتعاطى صياغة الذهب فيها زمنا طويلا ، وكان هو وغيره يوفدون من لدن قنصل «فينيسيا» (٢) في حلب إلى الأمير. الذي لم يكن مكانه ليبعد كثيرا عن تلك المدينة ، حاملين إليه هدايا من ذلك القنصل كان من بينها ثياب غالية الثمن. وحين كان هؤلاء يفدون على الأمير يقابلون من لدنه بترحاب عظيم وكرم بالغ ، ويريهم مشاهد من مختلف الألعاب. وقد يشاهدون لديه عددا كبيرا من الجند الأقوياء الشجعان ، ومن ثم يعودون منه مثقلين بكرمه ، ويعدهم بتوفير الأمن واللطف لهم ولرؤسائهم. فإذا ما حدث واستعانوا به على الأتراك أقبل على مساعدتهم مخلصا ، دون أن يخالجه الشك باتفاقهم معهم ، إذ إنهم يقطعون مسافات شاسعة داخل أراضيه إلى أن يصلوا أراضي الأتراك بما فيها اسطنبول وغيرها.
غادرنا الأمير الصغير عائدا إلى مضربه الذي يقوم على تل عال
__________________
(١) الفرنك والفرنجة هو الاسم العام الذي أطلقه العرب على جميع الأوروبيين بلا تمييز ولكن الاسم في الواقع يخص الفرنسيين وحدهم.
(٢) فينيسياVenice هي المعروفة بالبندقية وكانت من الممالك التجارية القوية في أوروبا في ذلك العهد وهي أسبق من غيرها في إقامة العلاقات مع البلاد العربية.