وسط سهل لا يبعد سوى ميلين عنا ، وأخذ معه بعض رفاقنا ليحدث أباه بما خبره من أحوالنا.
كنت شديد الرغبة في أن أحظى بمقابلة أبيه وأن أحمل بندقيتي معي ، وإن كان علينا أن نسافر عبر صحارى واسعة ، فلربما سر بذلك ، لكنني لم أجرأ أن أفعل ذلك أمام الجند الأتراك ، واليهود والمتسولين لأنني خشيت أن يغدروا بي ويتهموني أمام الباشا والقاضي اللذين يستطيعان إنزال العقاب بي رغم براءتي ، كما اعتادا أن يفعلا ذلك إزاء الأجانب بل حتى نجاه أبناء جلدتهم. وما خلا ذلك فقد تذكرت بأن أمير العرب حين كان معسكرا على مقربة من حلب كان بعض رجاله يفدون على المدينة كل يوم لشراء الأغذية والملابس وغيرها وعلى أثر ذلك صدرت الأوامر في حلب تحظر بيع أية أسلحة لهم ينقلونها معهم إلى الصحراء.
وبعد أن انتظرنا أصدقاءنا بعض الوقت عادوا إلينا. وقد منعنا من الذهاب إلى أي مكان في ذلك اليوم لأن الوقت غدا متأخرا ، وعلى هذا مكثنا في مواضعنا طيلة الليل.
ولقد قال لنا رفاقنا إن الأمير لم يصدق قولهم حين أنبأوه بأننا قد وفدنا من حلب بل ظن أننا جئنا من «صفد» ، وهي مدينة على بعد مسيرة يوم واحد من «صيدا» (١) التي كان السلطان التركي قد سلبها منه قبل مدة قصيرة ، وهذا قد يعطيه الحجة في حجزنا نحن وأمتعتنا ، ولذلك راح يصر على رأيه في هذا ، وقال إنه قد يبعث ببعض رجاله إلى حلب مع أحدنا للتأكد من حقيقة أمرنا إلى أن نثبت له ، بما نحمله من رسائل ، حقيقة المكان الذي جئنا منه ، وإذ ذاك سيسمح لنا بمواصلة السفر.
__________________
(١) صفدSaphet من الموانىء المعروفة في فلسطين على مقربة من حدود لبنان أما صيداSidon فهي من الموانىء الجنوبية في لبنان وهي من المدن القديمة جدّا.