على أن الشيء الذي فهمته فيما بعد ، هو أن الأمير لم يفعل ذلك إلا لكي يضغط علينا بقصد الحصول على الهدايا ، وهو يتلقاها فعلا ، حيث اضطر رفاقنا إلى أن يقدموا له بعض المدي المطعمة بالفضة التي جلبوها من دمشق وكذلك بعض الأقمشة الحريرية الدمشقية (١).
تحركنا في السادس من أيلول مبكرين فمررنا بين بواد مقفرة تكثر فيها الخنازير البرية التي كانت تتجمع على شكل قطعان أحيانا. وكانت هذه البوادي تمتد إلى مسافات شاسعة ولهذا لم نشاهد طيلة النهار سوى الأشجار إلى أن حل المساء ووصلنا إلى «القلعة» (٢) وهذه عبارة عن حصن وقرية تقع على الجانب الأيمن من النهر ، ولا تبعد عن حلب أكثر من مسيرة يومين ، وتقوم في سهل تستطيع من رؤيته أن نعرف المجرى المتعرج الذي كان يسير فيه النهر قبلا. وهذه القلعة ملك لأحد الباشوات ويدعى «جون رولانا» (٣) وهو يمتلك بالإضافة إلى ذلك ، دارا جميلة في حلب. وينعم هذا الباشا بإيرادات وفيرة وله ستون ولدا منهم ستة أو سبعة أولاد يحمل كل واحد منهم رتبة لواء ، في حين يعيش الباقون منهم في بلاط السلطان التركي.
__________________
(١) هذه الهدايا وغيرها هي الإتاوة التي كان المتنفذون من السكان على طرق القوافل يأخذونها من أصحاب تلك القوافل وهي تعرف عندنا باسم «الخاوة» وقد ظلت سارية المفعول حتى أواخر العشرينات.
(٢) يغلب على ظننا أن هذه القلعة هي مدينة «بالس» القديمة التي وردت بهذا الاسم في مؤلفات البلدانيين العرب ، وقد فتحها المسلمون من دون قتال بقيادة أبي عبيدة وقد ازدهرت المدينة في العهد الإسلامي ثم ضعف شأنها بعد عهد سيف الدولة الحمداني واستولى الصليبيون عليها سنة ١١١١ م وكانت تابعة لحكم (تنكرد) صاحب أنطاكية.
(٣) جون رولاناJohn Rolanat لعله من بقايا الأمراء الصليبيين الذين آثروا البقاء في سوريا بعد طرد الصليبيين من فلسطين وسوريا ولبنان.