ولقد أمضينا الليل كله ، على الجانب الآخر من النهر فيما وراء هذه القلعة في أرض خلاء تمتد إلى مسافات بعيدة ، ولم نشاهد طيلة اليوم التالي سوى بضعة أكواخ للأعراب متناثرة هنا وهناك ، كان كل واحد منها يستند على أربعة أعمدة ويغطى بأوراق الشجر ، وفي داخل هذه الأكواخ كان يعيش عدد كبير من الأطفال كنت أعجب غالبا من كثرتهم ، وكانوا وهم في باكر طفولتهم يهرعون إلى النهر ويتعلمون السباحة فيه بصفة جيدة إلى درجة أنهم كانوا يسبحون في عرض النهر دون خوف.
وحين مضينا في سبيلنا راح العرب يجيبوننا ، ولو لم يحل البعد بيننا وبينهم على الأسئلة ولا سيما عن المكان الذي يقيم أميرهم فيه إذ إنهم يولونه قدرا كبيرا من الاحترام ، رغم تنقلهم وتجوالهم ، فهم يظهرون له الطاعة الجماعية بشكل لا تظهره أية أمة أخرى لرؤسائها ، ومن هذا نستطيع أن تتأكد بأن أيّا من الأجانب كان يجتاز هذه الأراضي ويحاول أن يرى أميرهم كان يسمح له بذلك شريطة أن يرتدي مثل ملابسهم وأن يصحب أحد المسلمين معه ليدله على الطريق وليكون ترجمانا له ، وإذ ذاك يبدون استعدادهم لإرشاده إلى الطريق الذي يسلكه للوصول إلى الأمير ، ويدعونه يمر دونما مضايقة أو تفتيش حين يرون أحد أبناء جلدتهم بصحبته. وهذا هو السبب الذي يدع الكثيرين من العبيد في أطراف الجزيرة العربية يسارعون إلى الهرب دون كبير عناء أو خطر.
وكانت نساء الأعراب تقبل علينا عادة وهن يحملن اللبن في صحون واسعة يعرضنه للبيع. ولذلك كثيرا ما كنا ننزل إلى البر فنأخذه منهن ونقدم لهن البسكويت لقاء ذلك بسبب حاجتهن القصوى إلى القمح كما أن مثل هذه المقايضة تسرنا نحن بدورنا.
ولقد اعتدنا أن نأكل هذا البسكويت باللبن وقت الغداء أو العشاء. وحين يكون اللبن أحيانا كثيفا أو تكون كميته قليلة لا تكفينا ، نعمد إلى إضافة كمية من الماء إليه.