خلال إقامتنا هناك أقبل علينا شاب عربي نبيل ذو قرابة مع شيخ البادية وكان يصحبه عشرون عبدا مجهزين بالقسي والرماح. كان هذا الشاب يعتم بعمامة بيضاء جميلة ويرتدي قفطانا طويلا بنفسجي اللون مصنوعا من الصوف في حين كان عبيده حفاة يلبس البعض منهم طرابيش سوداء وثيابا من النيلة الزرقاء ذات أردان واسعة ، ويتمنطقون فوقها بأحزمة جلدية يعلقون بها خناجرهم المعقوفة كما هي عادتهم في الملبس.
وحدث أن كان البعض منا ذات مرة فوق أسوار المدينة العالية فشاهدنا تحتنا منظرا جميلا في الوادي الذي يجري فيه نهر الفرات الكبير ، إذ أقبل إلينا ذلك الشاب النبيل نفسه فجلس مع حاشيته قبالتنا وقدم إلينا بعض الزبيب والحمص الجاف فتقبلنا منه ذلك شاكرين. ولكي نظهر شكرنا له قدمنا له نحن بدورنا شيئا من اللوز والجوز والتين وبعض الحلوى التي جلبناها معنا من حلب ، فتقبلها منا بكل رقة ، حيث شرعنا كلنا نأكل ذلك سوية حتى إذا أتينا على ذلك كله ، استدعى الشاب أحد موسيقييه فأمره أن يعزف لنا مقطعا من موسيقاه وكانت الآلة التي يعزف عليها شبيهة عند رقبتها بالقيثارة وكنا نتوقع أن نسمع منها أنغاما نادرة لكنني حين نظرت إليها وجدتها لا تحوي سوى وتر واحد أشبه بالأوتار التي يستعملها العرب في قسيهم (١). ثم شرع يعزف بعض أنغامهم بفن ولباقة تثير المرء بيسر ، وظل يوالي العزف طيلة ساعتين ورغم طول الوقت فقد سررنا بعزفه كثيرا.
على مقربة من النهر عثرت على نوع من شجر الأكاسيا يحمل ثمارا حمراء وغبراء اللون يدعوها الأعراب بالشوك والشاموت كما وجدت
__________________
(١) هذه الآلة الموسيقية التي ذكرها الرحالة هي الرباب العربية وهي أصل القيثارة التي اتنتشرت في أوروبا وغيرها وما تزال تحمل ذات الاسم العربي ـ مع إبدال القاف كافا معجمة (گيتار).