أشبه بسعاة البريد فلا يعرف أحد مستقره. فهو يصعد أثناء الصيف إلى أقصى الشمال بينما ينحدر في الشتاء إلى الجنوب ، وبذلك يتجنب الحر والبرد معا ، ويصيب أمتعة وزادا أفضل له ولرجاله ومواشيه. وقد يحدث كثيرا أن يقترب الأعراب في مسيراتهم هذه من المناطق التركية ، وأن يقترب الأتراك ، هم بدورهم ، من المناطق العربية ، ولذلك كانت تنشب بين أميرين كبيرين من الطرفين خلافات تؤدي إلى حروب دموية. ومع ذلك وعلى الرغم من هذا كله ، فقد علمت بأن التفاهم قائم بين الطرفين ، إذ تم الاتفاق بينهما على أنه في حالة دخول سلطان الأتراك في حرب مع جيرانه ، فإن على أمير العرب أن يهب لنجدته والدفاع عنه ، ذلك لأن السلطان حين يكتب إلى أمير العرب يكتب إليه كابن عم وصديق له ، ويدفع إليه ستين ألف دوقة سنويّا كمرتب أو أجرة مقطوعة. وفضلا عن ذلك يبعث السلطان إلى شيخ البادية الجديد ، الذي يأتي في أعقاب وفاة الشيخ القديم ، بكسوة تحمل شارته بالإضافة إلى الهدايا الأخرى ، والاحتفالات الاعتيادية ، ويهنؤوه بوصوله إلى العرش ، ويجدد ويؤكد تحالفه معه. وتساهم ديانتهما المشتركة بقسط غير ضئيل في هذا الشأن ، فبالإضافة إلى شعائرهما والنقاط الأخرى المشتركة تتمسك أمتاهما بذات العقيدة. والأعراب ، مثل الأتراك ، يتزوجون بنساء كثيرة ولا تعظم الواحدة من نسائهم نفسها أمام الأخرى لأنهن منحدرات من آباء طيبين ولذلك لا تستثنى واحدة منها ـ باعتبارها من ذرية عظيمة ـ من النهوض بأعباء العائلة ، ولا تخضع الفقيرة منهن إلى الأخرى لأنها تحدرت من ذرية فقيرة. فقد كانت إحدى زوجات أمير العرب مثلا ابنة رجل يملك معملا للنجارة في الرقة فهي وإن كانت من أصل واطىء إلا أنها كانت محترمة مثل بقية الزوجات ، وأبوها وإخوتها من الرجال المحترمين ، وقد أقبلوا إلينا وأبدوا أسفهم للأذى الذي أصابنا على يد جابي المكوس.