من الملابس أو غيرها ، أو يريد أن يمر به ، أو أن يستكري أحدا منهم ليدله على الطريق إلى مكان ما ، أو أن يجتاز بلادهم ، لا بد وأن يجد في الحال واحدا منهم مستعدا للقيام بمثل هذه المهمة وتأديتها بثمن بخس. على أنه لا توجد بين الأتراك مثل هذه الطاعة. لأنك إن طلبت إلى الأتراك أن ينجزوا لك أمرا ما باسم سلطانهم فإنهم لا يستجيبون إلى ذلك إلا إذا كان مثل هذا الأمر يحقق لهم أرباحا وفيرة ، ولو استعنت بأحد الأدلاء من الأتراك لاقتضاك هذا قدرا كبيرا من النفقة أكثر مما يتقاضاه الدليل العربي.
ويتذكر الأعراب سيدهم كل يوم ويندر أن يتحدثوا عن شيء آخر سواه ، فيتحدثون عن ثرائه واتساع ملكه بفخر ومباهاة ، لأن جزءا من مملكته يعود إليهم أنفسهم ولهذا فإن عليهم أن يحترموها.
لم ننفق أنا ورفيقي في هذه الرحلة النهرية شيئا كثيرا ، وذلك لأن المدن كانت على مسافات بعيدة إحداها عن الأخرى ، بحيث لا نستطيع أن نبلغها لنتزود منها كل يوم بالحاجيات الضرورية ، أو نجوس أماكن الراحة فيها (كما نفعل ذلك في بلادنا حين نمخر عباب نهري الدانواب والراين).
ولهذا السبب كنا مضطرين إلى أن نقنع ببعض الأطعمة الخفيفة أو غيرها ، أو أن نكتفي باللبن الرائب والجبنة والفاكهة والعسل وما سواها ، فنتناول هذه الأطعمة مع الخبز ، ونستمتع بتناولها.
والعسل في هذه المناطق جيد جدّا وهو من نوع أبيض اللون ويحمله القوم هنا في القوافل والسفن في مزاود من الجلد تملأ به ، وهم يقدمونه إليك في أقداح صغيرة ، ويضيفون إليه قليلا من الزبدة ، وبذلك تستطيع أن تتناوله مع البسكويت.
وكنت حين أتناول مثل هذا الصحن أتذكر «يوحنا المعمدان» وكيف