وجدران هذا المنزل مشيدة بالآجر والحجر تشييدا جيدا وهو واسع ولا يرى المرء أحدا على الجانب الآخر منه إذ تقوم فيه حديقة واسعة تضم أشجار النخيل والليمون والبرتقال والرمان وهي مثقلة بالثمار وعلى الطرف الآخر من النهر لم أشاهد شيئا سوى أكواخ تشبه الأكواخ الصينية قائمة فوق التلال.
وقد لا حظت ونحن في طريقنا إلى عنه أن بعضا من جماعتنا (وكنت أجنبيّا بالنسبة إليهم) قد تخلوا عني ، وشرعوا يقنعون ربان سفينتنا ، وهو من أبناء هذه المدينة ، بأن لا يأذن لي بمشاهدة معالم المدينة ، وأن يتهمني أمام حاكمها بالتجسس زاعما بأنني كنت أشاهد كل المدن والأماكن بدقة ، وأنني كنت أفكر في خيانتهم حالما تحين لي الفرصة ، وأنهم سيخيفونني بهذه الوسيلة ويحصلون بذلك على رشوة طيبة مني في النهاية. وفعلا ذهب البعض منهم إلى نائب الباشا وطلبوا إليه أن يرسل أحد خدمه معهم ، وكان هذا الخادم قد التقى بي في أحد الشوارع الطويلة وهو يحمل في يديه أغلالا وأصفادا من الحديد كانت تتدلى من يديه إلى الأرض فاقتادني معه وإذ ذاك أحسست بنواياهم السيئة تجاهي وبما كانوا يعتزمون تنفيذه ضدي. وذهبت مع خادم الحاكم لأرى ما سيفعلونه معي ، حتى إذا وصلوا إلى المرسى أمروني أن أصعد إلى السفينة ، وأن أمكث فيها وأتلقى الأوامر منهم. وأخيرا اتفقوا فيما بينهم وأخبروني على لسان واحد منهم ، كان يمتطي جوادا ويرتدي صداريّا من الفراء بأنني إذا كنت أريد حريتي فعلي أن أدفع إلى نائب الباشا مبلغ خمسمائة دوقة. وحين قلبت الأمر على وجوهه ووجدت نفسي بأنني قد غدوت وحيدا ، وأن هذه الطلبات ليست معقولة ، ورأيت نفسي في مثل هذا الحرج والخطر ، فكرت أن هناك حاكما آخر في القسم الثاني من عنه الذي يقع على الضفة الثانية من النهر ، وأن هذا الحاكم تركي وأستطيع أن أرفع شكواي إليه ضد مطاليبهم الجائرة هذه ، ولا سيما بعد أن فقدت كل