فإن من يجوسها يأخذه العجب والدهشة إذ يروح يتذكر المجد الذي أصابته والملوك العظام الذين حلوا فيها من أمثال نمرود وبيلوس (١) ومن بعدهما الملك مردوخ (٢) وخلفه «بيلانصر» (٣) وهو من ذريته الذي جاء في النهاية ، وكيف تحولت قصورها وبساتينها إلى خرائب وقفار إلى درجة أنه حتى الرعاة كانوا يخشون أن ينصبوا خيامهم هناك والسكن فيها.
إنه لمثل مرعب ومخيف لكل الطغاة والمتجبرين هذا المثل الذي تقدمه بابل لهم كيما يتحققوا بأنهم إذا لم ينصلحوا ويتخلوا عن طغيانهم ويتوقفوا عن قتل الأبرياء بالحروب والسجون وبالأوبئة القاسية اللا إنسانية ، فإن الله الجبار سوف يقضي عليهم ويعاقبهم بغضب منه ، لأن الله غيور ولا يحتمل غرور الطغاة طويلا ، ولا يترك المسيئين من دون عقاب ، فلا بد أن يحقق فيهم نبوءاته مثلما فعل ذلك بأهل بابل المتجبرين حيث أنذرهم كل من أشعيا (في إصحاحه الثالث عشر) وأرميا (في إصحاحه الحادي والخمسين) (٤).
__________________
(١) لم يكن بيلوس اسما لملك من الملوك كما ظن راوولف ذلك وإنما هو اسم (بعل) إله آشور بل كبير آلهتها وكان مقره في مدينة نينوى وقد نقل اليونانيون عن هيرودوت هذا الاسم الذي يقصد به الإله مردوخ كبير آلهة بابل.
(٢) Meradach لم يكن ملكا كما ذكر راوولف ذلك وإنما كان كبير آلهة بابل وقد أقيم له أعظم معبد في بابل هو معبد «ايساكلا» أي البيت الرفيع ، وفيه تماثيل من الذهب الخالص للإله مردوخ نفسه.
(٣) بيلانصرBelathsar هو بلشاصر أحد ملوك البابليين وقد قتل بيد الفرس الذين هاجموا بابل بقيادة الملك دارا الأول ملك الفرس الإخمينيين بعد أن حاصروها عدة أشهر واستولوا عليها بخديعة دبرها أحد عملائهم من الداخل.
(٤) وردت إنذارات وتنبؤات عن المصير السيئ لبابل في كثير من أسفار اليهود الذين سحقت بابل مملكتهم وأخذت الألوف منهم أسرى إلى العراق فقد قال أشعيا ، وكتابه من أسفار اليهود الأربعة الكبار ويقع في ستة وستين فصلا ، «إن بابل فخر الممالك وجمال الفخامة الكلدانية ستصبح مثلما صنع الرب بسدوم وعامورة إن