وقد انتشرت هنا وهناك ، وحل الخراب في كثير منها فتركها أنقاضا ، وكانت ترى على البعض منها رسوم جميلة تستحق المشاهدة والتمعن.
كانت هذه الأبنية تقف مهدمة مخربة لم يبق منها سوى أبراج «دانيال» التي شيدت كلها من الحجر الأسود وهي لا تزال مأهولة حتى اليوم.
وهذه الأبراج في بنائها وارتفاعها تشبه أبراج كنيسة «الصليب المقدس» أو كنيسة «القديس موريس» في اوغسبرغ فأنت لو صعدت فوق هذه الأبراج لشاهدت برج بابل القديم ، وتل القلعة مع بقية الأبنية بوضوح واطلعت على وضع المدينة القديمة اطلاعا تامّا.
بعد أن أمضينا اثنتي عشرة ساعة في هذه الأرض الموحشة الصلبة والتي كلت إبلنا وحميرنا في قطعها من وطأة الأثقال التي كانت تحملها ، توقفنا عن السير عند أحد المرتفعات للاستراحة فبقينا على هذه الشاكلة إلى أن انتصف الليل وعندئذ استأنفنا مسيرتنا كيما نصل بغداد قبل أن تشرق الشمس.
وفي الوقت الذي أنخنا فيه ركائبنا هناك ، رحت أمعن النظر في المرتفع الذي نزلنا عنده فلا حظت وجود مرتفعين أحدهما خلف الآخر يفصل بينهما خندق ، وهما يمتدان سوية أشبه بجدارين متوازيين لمسافة طويلة إلى أن ينتهيا عند مواضع تشبه الأبواب مما حملني على الاعتقاد بأنهما كانا جدران مدينة قديمة قال المؤرخ «بليني» عنها إن ارتفاع جدرانها يبلغ مائتي قدم ، وإن عرض الواحد من تلك الجدران خمسون قدما ، وإن الفتحات الموجودة فيها كانت تؤلف قبلا أبواب تلك المدينة التي بلغ مجموعها مائة باب من الحديد ، وذلك قول صائب لأنني شاهدت بنفسي الجدران القديمة التي غطتها الأتربة وقد بدت ظاهرة للعيان بكل وضوح ، وهكذا وجدنا أنفسنا عند جدران مدينة ملكية شهيرة فيما مضى وقد تهدمت أبنيتها الفخمة المجيدة وغطتها الرمال ، ولذلك