لكنني لم أستطع ليس قراءتها فحسب ، بل لم أجد من يستطيع أن يترجمها لي.
هنالك بنايات تستحق المشاهدة من أمثال مقر الباشا التركي ، وسوق البضائع الذي يقع خلف النهر في المدينة الأخرى (١) ، والحمامات التي لا يمكن مقارنتها بحمامات حلب وطرابلس ، لأن أراضيها وجدرانها مطلية بالقار الأمر الذي جعلها تبدو سوداء معتمة حتى في وضح النهار ، لأنها لا تصيب سوى الشيء القليل من النور.
هنالك مدينتان إحداهما تقع في هذا الجانب (٢) وهي مفتوحة تماما بحيث يستطيع المرء أن يدخل إليها ويخرج منها ليلا من دون أية مضايقة ، غير أن هذه المدينة تعتبر في الواقع قرية كبيرة أكثر منها مدينة.
أما المدينة الأخرى فتقع على الطريق الذي يمر إلى فارس عند تخوم مملكة آشور (٣) وهي محصنة تحصينا جيدا بالأسوار والخنادق ولا سيما على امتداد نهر دجلة حيث تقوم بعض الأبراج ، ومنها برجان يقومان عند الأبواب التي تؤدي إلى جهة النهر ، لحمايتها. وبين هذين البرجين تقع أسوار المدينة القديمة العالية. وفي أعالي هذه الأبراج حفرت كتابات مسطحة بحروف ذهبية يبلغ طول الحرف الواحد منها قدما. ولقد حاولت جاهدا معرفة معاني هذه الكتابات لكني لم أظفر بذلك لعجزي عن فهمها ، ولانعدام المترجمين مما اضطرني إلى التخلي عنها.
__________________
(١) يقصد بالمدينة الأخرى جانب الرصافة وهو القسم الشرقي من بغداد.
(٢) يقصد به جانب الكرخ الذي هبط إليه الرحالة قادما من الفلوجة إلى بغداد.
(٣) كثيرا ما يعمد قدامى المؤرخين من الأوروبيين إلى ذكر مملكة آشور عند الحديث عن العراق على اعتبار أن بابل وآشور معروفتان بتاريخهما القديم الزاهر وعلى أساس أن حدود مملكة آشور كانت تصل إلى الموقع الذي وجدت بغداد فيه حيث تبدأ عندها أو إلى الجنوب منها قليلا ، حدود مملكة بابل.