وفي هذه القلعة يسكن الباشا التركي (١) والذي ما إن علم بمقدم اثنين من الغرباء إلى منطقته حتى بعث يطلب حضورنا إليه ، فأحضرنا رجاله أمامه ، وكان معنا أحد الأرمن ممن عرفناه قبلا في مدينة حلب ، كي يساعدنا في هذه المقابلة ويكون بمثابة ترجمان لنا ويعطي الباشا معلومات طيبة ووافية عنا.
حين دخلنا غرفة الباشا ، وهي اعتيادية جدّا وإن كانت قد فرشت بالسجاد الفاخر ، وزينت ببعض الزخارف ، أدينا له الإجلال والاحترام ، ووجدناه يجلس ملتفا بعباءته الطويلة الصفراء الثمينة. وعن طريق أحد أتباعه ، الذي كان يتحدث بالفرنسية وإن لم يكن يفهمها جيدا ، سألنا عن الأماكن التي أقبلنا منها ، والبضاعة التي جلبناها معنا ، والجهة التي نقصدها. وبعد أن أجبناه عن كل سؤال طرحه علينا لم يقنع بأجوبتنا ، وأمرنا بأن ننسحب إلى وراء ، وأن نمكث إلى أن نسمع قراره بشأننا.
لقد فهمنا ما كان يقصده من وراء ذلك تماما. فهو يريد أن يحصل منّا على شيء من الهدايا ، لكننا تظاهرنا بأننا لم نفهم قصده ، وإنما أريناه جوازات سفرنا موقعة من لدن باشا مدينة حلب وقاضيها. ولقد تناولها منّا وراح يقرؤها ويمعن النظر جليّا في ختمي الباشا والقاضي اللذين اعتادا أن يغمسا الختم بالحبر فأصبح الجواز ملطخا بالسواد نتيجة ذلك.
وحين وجد الختمين صحيحين ولم يبق لديه ما يقوله ، سمح لنا بالانصراف ، وإذ ذاك قدمنا له الاحترام ثانية فخطونا خطوات إلى وراء وغادرنا مسكنه ، ذلك لأنك لو أدرت ظهرك لأي شخص تقابله ، حتى وإن كان ضعيفا ، لعد ذلك إهانة كبيرة له ، وقلة أدب وغلطة منك.
__________________
«ايج قلعة» أي القلعة الداخلية.
(١) هذا الباشا هو علي الدرويش من ولاة الأتراك المشهورين حكم في البصرة ثم نقل منها إلى بغداد.