ويحتفظ هذا الباشا بحامية كبيرة في بغداد لأنها تقع عند تخوم «سوسيانة» (١) وماذي (٢) وغيرها من الولايات التي تعود إلى ملك فارس ، في حين لا يمتد نفوذ «السيد الأعظم» (٣) إلى الشرق من هذه الولايات ، إذ إن أكبر ممالكه تتألف من الصحراء العربية المقفرة التي لا يسيطر الأتراك إلا على جزء منها ، بينما يخضع الجزء الأكبر لنفوذ أحد الأمراء العرب.
بعد أن أذن لنا الباشا بالانصراف عدنا إلى النزول ثانية ، فابتعنا ـ حين مررنا بأحد الأسواق ـ بعض الأطعمة لتناولها ولكي نعد وجبة العشاء ، ذلك لأنه لا توجد في هذه البلاد فنادق يستطيع المرء أن يأوي إليها ، وأن يجد فيها الطعام مهيئا للزبائن الذين يفدون مصادفة ، بل إن على المرء أن يذهب إلى حانوت الطباخ الذي يتوفر عدد من أمثاله في الأسواق.
وما عدا ذلك فكل امرىء يطبخ لنفسه ما يريده من طعام دون أن تكون هنالك أبواب أمام غرفته ، وإنما توجد مدخنة لهذا الغرض. ولذلك حين يأزف وقت إعداد الطعام في المساء والصباح ، تشاهد في أروقة المكان عدة نيران تم إيقادها فيه.
وحين شرعنا نتناول الطعام اضطررنا بسبب عدم وجود موائد أو كراسي أو مقاعد ، إلى الجلوس على الأرض التي ننام عليها ليلا ، ولذلك لم تعد عباءاتنا نافعة لنا ، لأننا كنا نستعملها بدلا من الفراش ولا سيما في أيام الشتاء لكي نستدفىء بها. ومع ذلك فلم يكن الشتاء شديد البرد في هذه البلاد وقد نستنتج من هذا أن الأزهار المعروفة في بلادنا من أمثال
__________________
(١) سوسيانة هو إقليم الأحواز أو ما سمي بعربستان والذي سلخ عن العراق في أوائل القرن الحالي.
(٢) ماذي هي ميديا القديمة التي تقع في الشمال من إيران.
(٣) كان هذا السلطان هو مراد الثالث الذي حكم في الفترة ١٥٩٤ ـ ١٥٧٧ م.