«النرجس» و «البصل البري» و «البنفسج» وغيرها تكون مزدهرة تماما في شهر كانون الأول ، كما أن إقبال الزراع على حراثة الأرض في مثل هذا الوقت جعلني أحكم بأن شتاءهم يشبه ربيعنا.
لمست أثناء وجودنا في بغداد وتجوالنا فيها أن الفاقة لا زالت جد ظاهرة فيها ، وأنها قد تتعاظم وتزداد إذا لم تسارع المدن القائمة على دجلة والفرات ـ ولا سيما مدينة الموصل التي كانت تعرف قبلا باسم نينوى ـ إلى إرسال كميات كبيرة من المؤن مثلما تفعل ذلك ديار بكر وغيرها التي ترد منها المؤن مصادفة ، ذلك لأن معظم أراضيها تقع ما بين النهرين ، ولهذا السبب لا تحصل على شيء من تلك التجهيزات ، ولأن ما ينمو فيها لا يكفي لسد حاجتها ، ومن هنا تتجلى أهمية هذين النهرين بالنسبة إلى بغداد ، لأنهما لا يزودناها بالمؤن كالقمح والشعير والشراب والفاكهة وغيرها حسب ، بل يجلبان لها الكثير من السلع التي تحملها إليها سفن كثيرة ترد كل يوم. ولذلك نرى في هذه المدينة مستودعات كبيرة للسلع ، نتيجة لموقعها الملائم ، يتم جلبها بطريق البر والبحر من أنحاء الدنيا العديدة ، ولا سيما الأناضول وسوريا وأرمينيا واسطنبول وحلب ودمشق وغيرها كيما يتم نقل هذه السلع ثانية إلى الهند وفارس وغيرهما.
وقد حدث في اليوم الثاني من تشرين الثاني سنة ١٥٧٤ م حين كنت في بغداد ، أن وصلت إليها خمس وعشرون سفينة موسقة بالأفاوية والعقاقير من الهند ، بطريق «هرمز» والبصرة التي تعود إلى سلطان الأتراك وتقع عند الحدود ، وهي أبعد نقطة يمتد إليها نفوذ السلطان في الجنوب الشرقي وعلى بعد مسيرة ستة أيام من هنا. ومن البصرة تنقل السلع في سفن صغيرة تجلبها إلى بغداد حيث تستغرق السفرة حوالي أربعين يوما.
وهذا الطريق البحري والبري يعود إلى ملكي العربية وفارس ولكل منهما مدنه وحصونه على حدود بلاده ويستطيعان سد هذا الطريق. ورغم ذلك فإنهما يتراسلان بانتظام ويستخدمان الحمام الزاجل ولا سيما في