وعند منتصف الليل ، وحين كنا في الإغفاءة الأولى ، لاحظ حراسنا عددا كبيرا من الأكراد يقتربون من مخيمنا. ولذلك أيقظنا حراسنا من النوم بما أطلقوه من عبارات التحذير بأصوات عالية ، وأن نكون على أتم استعداد للأمر ، ولكي يخيفوا أعداءنا ويبعدوهم عنا بهذه الوسيلة. لكن أولئك الأكراد لم يأبهوا بتلك الصيحات بل اتجهوا إلينا بكل ما لديهم من سرعة فأصبحوا قريبين منا وغدونا نرى رؤوسهم أمام مخيمنا رغم حلكة الظلام.
على أنهم ما إن وجدونا على استعداد كامل وتهيؤ لمقاومتهم ، وإذ سمعوا أصوات حملة البنادق والنبال من جماعتنا وقد استعدوا لإطلاقها عليهم ، وراحوا ينادونهم بأصوات عالية «تعالوا تعالوا أيها اللصوص!» (١) حتى توقف أولئك الأكراد قليلا ثم خافوا منا فولوا الأدبار هاربين.
وبعد فترة ، ولم نعد نخشى هجومهم علينا ، أقبلوا نحونا مرة أخرى في أعداد أكبر من المرة السابقة. فقد كانوا يسوقون أمامهم بعيرا في المقدمة وخيلا ، استطعنا أن نميزها في الظلام وهي ترفع رؤوسها نحو السماء ، وكان غرضهم من هذا أن يحملونا على الاعتقاد بأنهم من المسافرين أو كيلا نعرف مقدار عددهم. على أن غارتهم الأولى علينا ما زالت حية في الأذهان ولهذا لم ننخدع بهم بل أعدنا استعدادنا ثانية للمجابهة ، فكنت أنا أقف في الميسرة وفي الصف الأول منها وقد سحبت بندقيتي وتدرعت بعدد من صفاح الورق التي جلبتها معي لأحفظ بها النباتات التي أجمعها ، ثم رحت أنتظر هجومهم في كل لحظة. لكنهم توقفوا عن السير مرة أخرى ، وخشوا منا كما خشينا نحن منهم ولم يطلقوا صوتا واحدا ، أو يتحركوا بأية حركة تجاهنا ، وعندئذ عمد أحد
__________________
(١) ثبت راوولف هذه العبارة باللغة العربية على الشكل التالي «تعالوا تعالوا أيها الحرامية» وقد أبقاها مترجم الرحلة إلى الإنكليزية على حالها كما دونها المؤلف.