كل ما استطعنا بذله للإسراع في الوصول إلى المدينة التي كانت تبعد عنا مسيرة ساعة واحدة ، وقد صحبنا بعض الجنود الأتراك المسلحين بنبابيت قوية حسنة الصنع قيل لي عنها إنها تستعمل بصفة عامة لمطاردة الذئاب التي يسمونها «بنات آوى» حيث يوجد عدد كبير منها في هذه البلدان وتستخدم لتعقب الفرائس ومطاردتها والبحث عنها ليلا.
وفي الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن هذه الحيوانات اقترب عدد منها قريبا منا لكنها ما إن رأتنا حتى استدارت وولت هاربة ، وحين بلغنا بوابة المدينة وجدناها مغلقة وإذ ذاك استدعى أحد أصدقائنا ، وكان ينتظر قدومنا للترحيب بنا ، بعض الفرنسيين الذين كانوا ينزلون في نزل يسمونه «فندقا» (١) بلغتهم ، وهو يقع على مقربة من بوابة المدينة ويمتد إلى سورها تماما ، وطلبت إلى واحد منهم بأن ينهض بأعباء الذهاب إلى آمر المدينة (٢) ويسأله أن يسمح بفتح البوابة ويدعنا ندخل منها ، وذاك أمر كان هؤلاء الفرنسيون جد راغبين في حدوثه. على أنه في الوقت الذي كنا واقفين فيه أمام البوابة ، أسرع شخص آخر معاد لصديقنا ذاك فحرض بعض الأتراك والعرب بالإطباق علينا ، وهذا ما كانوا يرغبون فيه ، وعندئذ أقبل هؤلاء علينا مسرعين من بوابة أخرى قريبة من السور ليست مغلقة فهاجمونا وانهالوا علينا ضربا ثم أمسكوا بنا ، ولا سيما بصديقنا الطيب الذي فعلوا كل ذلك بسببه ، كما وجه آخرون منهم بنادقهم نحونا إلى درجة خيل لنا فيها أنهم سيقطعوننا إربا.
وفي الوقت الذي كان يجري فيه كل هذا ، فتحت البوابة وأقبل
__________________
(١) كتب الرحالة كلمة فندق بلفظها العربي وبالحروف الإفرنجيةFondique والمقصود بكلمة (بلغتهم) ، هو لغة أهل الشام وليس لغة الفرنسيين كما قد يتوهم القارىء ذلك.
(٢) آمر المدينة يقصد به الحاكم العسكري فيها وقد ذكره المؤلف باسم «سنجق» أي حامل رتبة لواء في الجيش.