علينا بعض الفرنسيين ومعهم قنصلهم نفسه لمساعدتنا ، فتحدثوا إلى أولئك الرجال ، وحثوهم بلطف على إطلاق سراحنا ، وأن تودع القضية إلى الآمر والقاضي للبت فيها ، وهذا ما وافقوا عليه في النهاية. وهكذا قدمنا بعد ذلك الاستقبال المعادي ، إلى فندق الفرنسيين فبتنا الليلة فيه. لقد كان موقف القنصل عظيما في هذه الحادثة. ذلك لأنه اعتبر مثل هذه الإجراءات مسيئة جدّا إلى أبناء قومه ، ولهذا تقدم بشكاوى وأجرى تحريات كثيرة إلى أن عثر في الأخير على الشخص الذي سبب تلك الحادثة.
مضينا صباح اليوم التالي إلى منزل أصدقائنا للمكوث فيه فترة من الزمن معهم. وفي ذات الوقت بدأنا نتجول في المدينة ـ ونحن نرتدي نفس ملابسنا الأوروبية ـ لمشاهدة ما فيها وهذه المدينة تقع في سوريا المسماة «فينيقيا» التي تمتد أراضيها إلى شاطىء البحر بما في ذلك بيروت ، وصيدا ، وصور ، وعكا حتى جبل الكرمل.
ومدينة طرابلس واسعة نوعا ما ، غاصة بالناس ، وذات ثراء حسن وذلك بسبب وجود كميات كبيرة من السلع التي تجلب إليها كل يوم بطريق البر والبحر. كما أن المدينة تقع في أرض منبسطة تجاور أحد سفوح جبال لبنان ، يتصل بها سهل واسع يمتد إلى شاطىء البحر ، حيث تستطيع أن تشاهد مزارع الكروم الوفيرة والبساتين الجميلة التي تحاط من كل أطرافها تقريبا بسياج ، وهي تتألف في الدرجة الأولى من أشجار الرمان والبرتقال والليمون والتفاح وغيرها ، كما توجد بعض أشجار النخيل وتكون هذه واطئة وهي تنمو وتتكاثر بنفسها. وحين دخلنا هذه البساتين وجدنا فيها كل أنواع الأشجار ومختلف الأزهار ، فضلا عن أشجار الزيتون واللوز والجوز وما شاكلها.
أما عند شاطىء البحر وعلى مقربة من مدينة طرابلس القديمة (التي دمرتها الزلازل مع مدن أنطاكية وغيرها سنة ١١٨٣ م ، ولم تبق منها سوى