أو من دمشق بالدرجة الأولى حيث تتوفر فيها كميات كبيرة من الحرير مما يستطيع التاجر أن يشتريه بسرعة وبكميات تقدر بعدة آلاف من الدوكات ، وذلك بالنظر إلى وجود كثرة فائقة من أشجار «التوت» (١) الضخمة الشامخة ذات الأوراق الكثيرة التي تتغذى عليها دودة القز. علما أن ثمار التوت هذه تكون بيضاء اللون وتنقل في سلال وتباع لعامة الناس. وهكذا تجد في الأسواق عددا كبيرا من صانعي الحرير الذين يصنعون مختلف المطرزات الحريرية بألوان متباينة وهم يمارسون أعمالهم هذه أمام حوانيتهم حيث تجد الواحد منهم ، حين يريد برم خيوط الحرير ، يمسك بخيطين يربط أحدهما بإحدى قدميه ثم يبدأ يبرمه وهكذا ، ومثل هذا يفعل الخراطون أيضا الذين يمسكون بالحديد الذي يريدون خرطه بين أقدامهم وأيديهم.
وفي أوقات محدودة من السنة تجلب إلى هذه الأسواق من دمشق وغيرها من الأماكن القريبة منها كميات وفيرة من الزبيب الطيب المذاق (٢) الذي لا توجد فيه سوى حبة واحدة ، حيث يتم شحن عدة سفن بهذا الزبيب من هناك إلى بلادنا الأوروبية. فهذه السلع وأمثالها يؤتى بها يوميّا إلى الأسواق التي تستقبلها ، وكذلك السجاد النادر والحرائر الغالية المطرزة بأشكال الورود والأزهار من مختلف الألوان والتي يبدو البعض منها وكأنه من الذهب الخالص.
على أن كثرة التجار الذين يتعاملون بالصابون والقلى تفوق سواهم من التجار الآخرين ولذلك ترى عدة سفن توسق بالبوتاس والصابون وترسل كل سنة من هناك إلى البندقية إذ إن مادة البوتاس تستخدم في صناعة الزجاج مثلما هو الأمر في صناعة الصابون.
__________________
(١) ذكر المؤلف كلمة التوت هذه بلفظها العربي.
(٢) ذكره المؤلف بلفظه العربي Cebib.