ويلبس أمراء الألوية والصوباشيون والقضاة الذين أشرت إليهم قبلا وكذلك زوجاتهم أغلى الملابس وأثمن أنواع الحرير المطرز بالورود وبمختلف الألوان. وغالبا ما تقدم إليهم هذه الملابس من الأناس الذين لهم معاملات عندهم ، إذ إن هؤلاء الحكام لا يودون أن ينفقوا من نقودهم شيئا ، وذلك بقصد تأييد تلك المعاملات ونوال الحظوة بينهم. فهؤلاء الحكام شديد والجشع ، وإذا لم تقدم لهم العطايا لا يؤدون سوى القليل من الأعمال.
ولما كان الباشوات وأمراء الألوية الذين يديرون الممالك والولايات تحت إمرة السلطان يدركون جيدا أن بقاءهم في هذه الأماكن لا يزيد على ثلاث سنوات ، وأن عليهم أن ينتقلوا منها إلى أماكن أخرى حالما يأمرهم السلطان بذلك ، وقد تكون هذه على مسافات بعيدة جدّا ، فإنهم لهذا السبب يتطلعون دوما إلى الثراء والغنى فيحصلون على الهبات أو يرفعون من قبل البلاط إلى منصب أو وظيفة أعلى ، وحتى إذا لم يحصلوا على هذا المنصب فإنهم يحققون لهم ثراء كبيرا نتيجة المنزلة الرفيعة التي أصابوها قبلا.
حين كنت في طرابلس تولى أحد أمراء الألوية هذا المنصب الذي كان يشغله آمر لواء سابق له. وهكذا توجه اللواء الجديد إلى دائرته يحف به رجال حرسه ، واستقبلته المدينة استقبالا فخما ، وكان موكبه يتألف معظمه من الفرسان وحملة السهام والرماح والتروس ، بالإضافة إلى حملة الطبول والمزامير وغيرها وكانت هذه الرماح والأسلحة متوجة ببعض المعادن الصقيلة البراقة ، كما كانت ركاب سروجهم تلتمع من مسافات بعيدة.
ويود كل هؤلاء الموظفون أن يظهروا ، عند أداء وظائفهم ، بمظاهر العظمة ومع ذلك فكلهم عرضة للجشع (وهو أصل كل الشرور) والتطلع إلى الهبات والرشاوى ، وتلفيق التهم ضد الأبرياء في سبيل الحصول على