الأموال. وعلى هذا فإن من اليسير جدّا على من يريد الانتقام من خصمه أن يثير له المتاعب ويلحق به الخسائر عن طريق تقديم الهبات إلى الموظفين ، ولا يختلف أحد عن هذا في شيء قط. فهم في سبيل المال الحرام ، لا يأنفون إطلاقا من معاقبة الأبرياء إذا ما كان هؤلاء من الأغنياء أو الغرباء ، ولذلك فإن الموظفين الذين يعملون تحت إمرة الصوباشين في مثل هذه الأمور حاذقون جدّا ، إذ تراهم يتعقبون كل من يعارضهم أو لا ينساق إليهم.
ولما كانت مدة بقائهم في مناصبهم قصيرة ، فإن هؤلاء الصوباشين يبذلون قصارى جهودهم في زيادة ثرائهم في أسرع وقت مستطاع ، وهم في هذا لا يخشون أمراء الألوية ولا الباشوات لأن هؤلاء شركاء معهم في هذه الغنائم وأنهم يتلقون أنصبتهم من هذه الغنائم كل أسبوع. وبعبارة موجزة إن في مقدور أي فرد ارتكب جريمة ما أن ينجو من العقاب ويعود رجلا صالحا مثلما كان عليه قبلا إذا ما قدم الرشوة إلى هؤلاء الحاكمين.
ولكن هؤلاء الموظفين عرضة للمحاكمة ، كما نصت القوانين على ذلك ، أمام قضاة كبار يسمونهم «قضاة الشرع» والتعرض للعقوبة جزاء ابتزازهم الأموال. ويعتبر الأتراك هؤلاء القضاة بأنهم المعلمون الأساسيون للشريعة الإسلامية وهم يمتازون بالذكاء والمعرفة ولديهم سلطة محاكمة كل الموظفين والضباط ولا سيما القضاة ، والحكم عليهم ، والإفراج عنهم تبعا لمخالفتهم. ويتنقل قضاة الشرع من مدينة إلى أخرى للاطلاع على كيفية تطبيق العدالة من قبل القضاة ويخشى هؤلاء كثيرا مقدم قضاة الشرع إلى أماكن عملهم وإذا ما وجدوا أنفسهم مذنبين بارتكاب جريمة ما فإنهم يهربون من أماكن عملهم في أغلب الأوقات. وإذا ما شكا الناس أولئك القضاة عند قضاة الشرع عوقبوا بالجلد علانية ، ونقلوا من أماكن عملهم. أما إذا كانت الجريمة جسيمة فإنهم يشنقون أو يحرقون وهذا ما يحدث غالبا في هذه البلدان.