أما إذا اعتدى القاضي على أحد الناس فإن المعتدى عليه لن ينتظر مقدم قضاة الشرع ليرفع إليهم شكواه ، وإنما يسلك طريقة أخرى وذلك بأن يعرض شكواه على الباب العالي أو إلى محكمة السلطان أو أن يذهب بنفسه إلى هناك ليقدم شكواه بصفة شخصية. وسرعان ما يسمع جواب شكواه تلك. فقد علمت أن مثل هذه القضايا ينظر فيها مرة كل أسبوعين. وإذا كان أحد المشتكين فقيرا تقوم المحكمة بأوده إلى أن تنتهي قضيته.
ولقد وقعت مثل هذه الحادثة قبلا لمترجم القنصل البندقي الذي نجح في شكواه ضد أحد الصوباشيين حين أراد هذا أن يسلبه ، لكنه لم يستطع أن يثبت أية تهمة عليه تكون موجبة للعقاب ، وإذ ذاك وجد الصوباشي طريقة لذلك بأن أمر أحد خدمه أن يخفي عاهرة في بيت المترجم دون علم منه ليكون ذلك دليلا كافيا لاتهامه. ونفذ الخادم تلك العملية فعلا ، وهرع موظفو القاضي إلى البيت ففتشوه وعثروا على العاهرة فيه فألقي القبض على المترجم وزج به في السجن دون أن يسمح له بالدفاع عن نفسه وتبرئته ، وأنه كان يجهل تلك الواقعة جهلا تاما ولم يستطع أن يقنع القاضي ببراءته بكل الوسائل ، وهكذا حكم عليه بأداء غرامة مقدارها تسعمائة دوكة أرغم على دفعها. وقد أثار هذا الأمر قلق المترجم لأنه لم يستطع دفع هذه العقوبة القاسية عنه. ولما كان رجلا مجربا وخبيرا بالقوانين السارية المفعول فقد أعد له جوادا ، دون علم من القاضي ، وانطلق به إلى اسطنبول ليرفع شكواه بنفسه إلى محكمة السلطان وقد نجح في ذلك وأعلنت براءته من التهمة التي أسندت إليه.
ولما كانت هذه المحكمة تعاقب بشدة من يقترفون الظلم ، فإن ذلك القاضي لم ينج من العقاب ، إذ لم يلبث السلطان أن أرسل بعد فترة قصيرة بأحد سيافيه ومعه تذكرة قصيرة يطلب فيها إرسال رأس القاضي مع حامل تلك التذكرة. وقد فزع القاضي لذلك فزعا شديدا لكنه بعد أن استرحم زوجة رسول السلطان سلم نفسه إليه ، وهذا هو السبب الذي