مماتهم (١) ، مثلما يفعل ذلك النبلاء في بلادنا ، وذلك لأن السلطان يستولي بعد مماتهم على كل ممتلكاتهم المنظورة ولا يسمح لذريتهم إلا بماهية سنوية ليس إلا. وحين يأمرهم السلطان بالانتقال من مكان إلى آخر غريب عنهم وأن يبرهنوا على نزاهتهم وطيب سمعتهم ، فإنهم ينفذون أمره في الحال ، إن كانوا لا يريدون تعريض أنفسهم للمصاعب والأخطار ، وهذا هو السبب الذي يجعل مثل هؤلاء الأشخاص ، حتى وإن كانوا أثرياء ، يهتمون بتشييد المباني الضخمة ولذلك فإنك لا تستطيع أن ترى مثل هذه الأبنية في كل البلاد ، عدا المساجد والخانات التي يشيدونها كيما يتذكرهم الناس بها.
والغالب أن يحتفظ هؤلاء الأشخاص بثرواتهم بصفة كميات من الذهب والفضة ، مما يستطيعون إخفاءه وتسليمه سرا إلى ذريتهم. وهم لا يهبون المحتاجين سوى الضئيل من الهبات ولا يستخدمون عددا كبيرا من العاملين لديهم ، كل ذلك نتيجة شدة جشعهم.
ويتفق كل هؤلاء الباشوات في صفة واحدة هي العمل لمصلحتهم الخاصة والتطلع إلى الثراء ، ولذلك يظل الأفراد يخضعون لحكمهم في فاقة وإرهاق شديدين ولا سيما الأجانب الذين يعيشون في حركة تنقل هناك كالإيطاليين والفرنسيين وغيرهم ، والذين كثيرا ما تحدث بينهم وبين الباشوات ـ الذين لا يفكرون في الصالح العام قط بل في مصالحهم الذاتية ـ خلافات كبيرة يتعرضون بسببها إلى أضرار جسيمة ، إلا إذا أراد ملوكهم أن يحولوا دون هذه الأمور ، وأن يعامل رعاياهم معاملة مضمونة ، فإذ ذاك يبعثون ببعض الرجال المحنكين الذين يسمونهم بالقناصل حيث يحصل هؤلاء على امتيازات عظيمة من السلطان التركي
__________________
(١) هذا خلط فاضح من الرحالة فالمواطنون ليسوا أرقاء للسلطان ولا توجد عليهم أية قيود بالنسبة لأموالهم وما يخلفونه لذريتهم من بعدهم.