إحدى المدن أو الأقطار أو الممالك الواحدة بعد الأخرى بحد السيف ، كما رأينا ذلك قبلا في أوروبا (ولا نريد أن نذكر شيئا ما عما حدث في آسيا) ، وهذا لا يخلو من أخطار وأضرار على كل المسيحيين فهو يقترب كل يوم من حدودنا ولذلك فإننا في النهاية يجب علينا أن لا نتوقع لنا مصيرا أفضل مما حل باليونان وتراقيا والبوسنة وهنغاريا وفلاشيا (١) وغيرها ، التي خضعت للعبودية ، وما يزال فيها عدد من الشخصيات الرفيعة يئنون ويتحسرون حتى اليوم. ففي أثناء وجودي في حلب عثرت على ملكة فالاشيا مع أولادها وكان أصغر أولئك الأولاد قد ولد بعد وفاة أبيه الملك.
وتعيش هذه الملكة مع أولادها على ماهية ضئيلة خصصها لهم السلطان التركي. وهي امرأة ذكية تجيد اللغتين التركية والعربية وما يزال رعاياها يأملون أن يعيدها الله العظيم إليهم ثانية ، وبذلك تنتهي عبوديتهم.
وعند ما ينتصر الأتراك في معركة ما تراهم يرفعون أكفهم بالحمد والشكر لله ، ولمبعوثه الحبيب الرسول «محمد» ، ويبتهلون إلى الله بأن يثير الخلافات والمنازعات فيما بيننا نحن المسيحيين (لأنهم لا يؤمنون بالإنجيل) ، وأن يتخاصم حكامنا مع رعاياهم ، ويتنازع رجال الدين مع علية القوم ، فتنشأ عن ذلك الاضطرابات ، وتتجاوز الحدود التي وردت في شرائع الله أكثر فأكثر ، ويزول إيماننا بالمسيح وتتحلل كل أنظمتنا وسياسياتنا الصالحة ، وإذ ذاك يبعث الله بالأتراك لمعاقبتنا.
وحين يرى الأتراك أن الأغنياء منا يضطهدون الفقراء ، وأن الحكام لا يحمون العدل ولا الأبرياء ، بل يتطلع الرؤساء والكبار إلى أن يفتك
__________________
(١) فالاشياWallachia المقصود بها بلاد بولندا الحالية وقد سبق للأتراك أن احتلوها فترة من الزمن ونشروا فيها الدين الإسلامي مثل بقية الممالك الأخرى التي افتتحوها في أوروبا.