من الامور المهوّلة. وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي : قلت للشافعي : كان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ، ويطير في الهواء ، فلا تغترّوا به حتّى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة ، فقال الشافعي : قصّر الليث رحمهالله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ، ويطير في الهواء ، فلا تغترّوا به حتّى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة (١).
هذه كلمات بعض أكابر محدّثي أهل السنّة ، ويظهر منها إجماعهم على خروج الدجّال في آخر الزمان ، وفتنة الناس به ، وأنّه شخص بعينه ، بل يظهر منها اتّفاقهم على وقوع جميع التفاصيل المذكورة في أخبارهم ، وقد عرفت ممّا سبق أنّ ما يصحّ دعوى تواتر الأحاديث فيه ، هو : خروج شخص ملقّب بالدجّال في آخر الزمان ، يكثر منه الكذب والتلبيس ، وتغطية الحقّ بالباطل ، والإفساد في الأرض.
وأمّا التفاصيل المذكورة في هذه الأحاديث ، سيّما الطائفة الثانية منها ، فلا تبلغ حدّ التواتر ؛ لتفرّد رواتها بها ، فحكمها حكم أخبار الآحاد ، فإنّها لا توجب علما واعتقادا بمضمونها ؛ لكونها غير قطعيّ الصدور والدلالة ، ولا عملا ؛ لعدم ارتباطها بالفروع والأحكام العمليّة ، والنظامات العباديّة والمدنيّة ، حتّى تجب العمل بها ، والاحتجاج بها في الفقه ، وإن لم يحصل العلم بصدورها أو بدلالتها كما هو مبيّن في اصول الفقه ، ودعوى القطع بصدور كلّ واحد من هذه الروايات عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّها مخرّجة في السنن أو الصحيحين
__________________
(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير : ج ١ ص ٧٨ منشورات دار المعرفة ـ بيروت. وفي هامشه ما لفظه : «هكذا بالأصل ، وهو كما ترى لا فرق بين عبارتي الليث والشافعي ، فتأمّل».