ففي القرآن والسنّة الثابتة كثيرا ما يوجد أغرب من ذلك ، فالأولى بل الواجب ترك التأويل والحمل على خلاف الظاهر بمجرّد الغرابة ، فإنّه خلاف التسليم والتصديق بما أخبر عنه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الامور الغيبيّة ، مثل معجزات الأنبياء الّتي يستغربها ، بل يحكم بامتناع وقوعها أصحاب المادّة ، المؤمنون بالعلل المادّيّة ، مثل قلب العصا بالثعبان ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وغيرها من الخوارق الّتي لا يمكن أن يستند وقوعها إلى أي سبب مادّيّ.
إن قلت : ليس مثل هذا الحمل من التأويل بشيء ، بل هو استظهار المعنى المجازيّ من اللفظ بقرينة غرابة المعنى الحقيقيّ ، ولا ريب أنّ ما ذكرنا أقرب المعاني المجازيّة إليه ، فنأخذ بقاعدة : إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات إليها يتعيّن.
قلت : لم تتعذّر الحقيقة هنا حتّى يكون أقرب المجازات هو المراد ، ومجرّد غرابة المضمون ـ سيّما في مثل هذه الأخبار ـ ليست قرينة على إرادة المعنى المجازي ، خصوصا مع عدم غرابتها من حيث النوع ، فالآيات القرآنيّة والأحاديث الغريبة في باب الملاحم ، وأشراط الساعة ، ومشاهد القيامة أكثر من أن تحصى ، والقول بجواز تأويلها وحملها على غير معانيها الظاهرة فيها يجعل الدين معرضا للتحريف والتغيير.
والّذي ينبغي أن يعامل مع هذه الأحاديث المتضمّنة لبعض التفاصيل بالنسبة إلى تفصيل لم يبلغ الأحاديث الواردة فيه حدّ التواتر أولا : النظر في سند الحديث ، فإن كان فيه علّة توجب سقوطه عن درجة الاعتبار فلا اعتناء به ، وإلّا فإن لم يكن محفوفا بما يوجب العلم بصدوره فشأنه شأن سائر أخبار الآحاد ، لا يوجب العلم لعدم العلم بصدوره ،