والأخبار الّتي يستغرب مضمونها من لم يؤمن بعالم الغيب ، أو ضعف إيمانه به غيره ؛ كمؤلّف تفسير «المنار» والطنطاوي من المؤلّفين المثقّفين ، من بعض شيوخ الأزهر وغيرهم. فهذا الشيخ محمّد عبده يقول كما في تفسير «المنار» (١) بعد ما يذكر تأويل نزول عيسى وحكمه في الأرض ـ خلافا باعترافه للجمهور ـ بغلبة روحه وسرّ رسالته على الناس ، يقول في جواب السؤال عن المسيح الدجّال أيضا ، وقتل عيسى المسيح له : إنّ الدجّال رمز للخرافات والدجل والقبائح الّتي تزول بتقرير الشريعة على وجهها ، والأخذ بأسرارها وحكمها (٢).
هذا وقد سلك هذا المسلك أيضا بالتوسيع بعض الأجلّة من الشيعة ، ولعلّه اقتفى أثرهم ، قال : وقد أعطينا في التأريخ السابق اطروحتنا لفهم الدجّال ؛ إحداهما : تقليديّة تقول : إنّ الدجّال شخص معيّن ، طويل العمر ، يظهر في آخر الزمان من أجل ضلال الناس وفتنتهم عن دينهم ، ويدلّ عليه قليل من الأخبار ، والاخرى : إنّ الدجّال عبارة عن مستوى حضاريّ إيديولوجي معيّن معاد للإسلام والإخلاص الإيماني ككلّ. وقد سبق هنا أن ناقشنا الاطروحة الاولى ، ورفضناها بالبرهان ، ولا بدّ من طرح ما دلّ عليها من قليل الأخبار ، ودعمنا الاطروحة الثانية ، وهي الّتي ستكون منطلق كلامنا الآن (٣).
أقول : قد يظنّ غير الخبير بالأخبار من كلامه أنّ ما دلّ من الأخبار
__________________
(١) تفسير المنار : ج ٣ ص ٣١٧.
(٢) وإن شئت مزيدا من الاطّلاع على تأويلات هذه الفئة عن نصوص الكتاب والسنّة بما يوافق آراء الغربيّين الّذين لا يؤمنون بما وراء المادّة والطبيعة ، راجع كتاب «موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين».
(٣) تاريخ ما بعد الظهور : ص ١٩٢ ـ ٢٠٣.