والله لو لحقت بالحر لأتبعته السنان. فبينما هو يقاتل وإنّ فرسه لمضروب على أذنه وحاجبيه والدماء تسيل منه ، فالتفت الحصين إلى يزيد وقال له : هذا الحرّ الّذي كنت تتمنّاه.
قال : فخرج إليه ، فما لبث الحرّ أن قتل يزيد وقتل معه أربعين فارساً وثلاثين راجلاً ، فعرقب فرسه فبقي راجلاً ويقول :
إنّي أنا الحر ونجل الحرّ |
|
اشجع من ذي لبد هزبر |
ولست بالجبان عند الكرّ |
|
لكنّني الوثّاب عند الفرّ |
فلم يزل يجال الشجعان ، ويقطر الأقران ، ويبلي الأعذار ، في نصرة قرّة عين المختار ، حتّى قتل وانتقل إلى جوار الملك الغفّار ، في دار القرار ، فلمّا قتل مشى إليه الحسين وجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : « أنت حرّ كما سمّتك أمّك ».
ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليهالسلام بهذا الأبيات ، وقيل : عليّ بن الحسين عليهالسلام :
فنعم الحرّ حر بني رياحٍ |
|
صبور عند مشتبك الرماح |
ونعم الحرّ إذ واسا حسيناً |
|
فجاد بنفسه عند الصباح |
فأقرره إلهي دار خلد |
|
وزوّجه من الحور الملاح |
واشترك في قتله أبو أيّوب الغنوي ورجل من فرسان أهل الكوفة (١).
فهنيئاً للحرّ حيث فاز بفضيلة الإنتصار ، وجاد بنفسه بين بتّار وخطّار ، وعرض مهجته للتلف والبوار ، وخرج من رقّ الذلّ والصغار ، وتوّج هامته بتاج العزّ والفخار ، أوَلا تكونون يا أرباب العقول والأبصار ، كمن تصوّر مصائب ساداته الأطهار ، وتذكّر نوائب أئمّته ذوي المراتب والأقدار ، فرثاهم بنفائس المراثي والأشعار ، وهو من الخلّص الأبرار.
__________________
(١) ورواه لطبري في تاريخه : ٥ : ٤٣٤.
ورواه المجلسي في البحار : ٤٥ : ١٤ نقلاً عن محمّد بن أبي طالب.
وروى القسم الأوّل منه مختصراً ابن الأثير في الكامل : ٤ : ٦٧.