ذوي الجهل والنكال ، بظهور دولة بني حمدان إلى ساحة الظهور ، وبروز مستور شخص الإيمان بساطع النور ، فلله درّهم من ملوك عدل أحيوا دوارس مرابع آل الرسول ، وبذلوا الأموال في تشييد مباني أرباب المعقول والمنقول ، وكشفوا أسجاف الذلّ والتهوين عن محجّبات سرائر المؤمنين ، وأقاموا أعلاماً لتلك القبور الطاهرة يهتدي بها التايه عن سواء الطريق ، وجعلوا لهاتيك المشاهد الزاهرة سماتٌ تشير إلى الإذعان والتصديق ، ونصبوا أعمدة المآتم على أولئك الأعاظم ، ووضعوا قوانين المراثي على السادة الأكارم.
فغدر الدهر بعد أن وفى ، وأساء بعد أن أحسن لأرباب الوفا ، فانقرضت هذه الدولة الشريفة ، وكسفت شمس هذه السلطنة المنيفة ، وقامت الفتن على سوقها ، ودنت نفوس المؤمنين من سَوقها ، فما زالوا في كدّ وتعب مادام دولة بني أيوب في حلب ، والأراتقة في الشام والصقلب ، فتوطّأ كلّ جلف منهم سروج سبق الرياسة ، وتوطّد صدور محافل الملك والسياسة ، فعاد بدر المؤمنين إلى المحاق ، ورجع لجينهم إلى الاحتراق ، وغدت أعلام المؤمنين منكوسة ، وعلماء الموحدين في ربوات التحكم مرموسة.
حتّى افترّ ثغر الجلال عن نظيم الايمان ، وتنفّس فجر الكمال بنسيم اللطف والإحسان ، فلبست فتاة الشرك حلل التوحيد ، ورفلت خود التجسيم في غلائل التجريد ، وذهبت حسيكة النفاق ، واعوجت ألوية الجور والشقاق ، وصوّت مؤذّنوا الهداية في مساجد الوفا بحيّ على حبّ آل المصطفى ، وقامت الخطباء على ذروات منابر اليقين ، وصدعت البلغاء بتحرير فضائل الصدّيقين ، وذلك في زمن السلطنة العليّة والدولة الصفوية عطّر الله مراقدهم بطيب الغفران ، ونوّر ملاحدهم بأنوار الإيمان.
وما زال أمر الشيعة يستحكم وأركان الشريعة تحكم ، وأعلام الإسلام تنشر ، وألوية الظلام تُكسر ، حتّى شيّدت في جميع البقاع للشيعة مساجد ، وثنّيت لعلمائهم في صدور الدسوت المساند والوسائد.