ثمّ إنّه لم يزل يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ».
قال : فناداه الشمر لعنه الله : ما تقول يا ابن فاطمة ؟
فقال عليهالسلام : « أقول أنا الّذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً ».
فقال له الشمر : لك ذلك يا ابن فاطمة. ثمّ صاح شمر : اليكم عن حرم الرجل واقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفؤ كريم.
قال : فقصدوه القوم فجعل يحمل فيهم وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء فلا يجدها ، فلمّا اشتدّ به العطش حمل بفرسه على الفرات ، وكان عليه عمرو بن الحجّاج والأعور السلمي مع أربعة آلاف رجل ، فكشفهم عن الفرات ، واقتحم الفرس المورد (١).
فلمّا أحسّ الفرس ببرد الماء أولغ برأسه ليشرب فناداها الحسين عليهالسلام : « أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لا ذقت الماء حتّى تشرب ». فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام ، فقال له الحسين عليهالسلام : « إشرب فأنّا أشرب ». فمدّ الحسين عليهالسلام يده وغرف غرفة من الماء فناداه فارس من القوم : يا أبا عبد الله ، تتلذّذ بشرب الماء وقد هتك حرمك ؟! فنفض الماء من يده وحمل على القوم وكشفهم عن الخيمة ، فإذا هي سالمة (٢).
قال : فجعل الحسين عليهالسلام يطلب الماء والشمر لعنه الله يقول : لا تذوقه أو ترد
__________________
ورواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص ٢٥٢ ، والمفيد في الإرشاد : ٢ : ١١.
(١) رواه الخوارزمي في المقتل : ٢ : ٣٣ ، وابن طاوس في الملهوف : ١٧١ ، وأبو مخنف في وقعة الطف : ٢٥٢.
(٢) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب : ٤ : ٦٥ « في آياته بعد وفاته » عن أبي مخنف ، عن الجلودي.