وكم له من منقبة متألقة في مطالع التعظيم ، مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم ، وكم له من معجزة أنوارها بادية لأبصار ذوي البصائر ، بيّنة لأهل العقول والسرائر ، فمن ذلك ما روي في كتاب كشف الغمّة أنّه لمّا توفّي الرضا عليهالسلام وقدم المأمون لعنه الله إلى بغداد [ بعد وفاته بسنة ] اتّفق أنّه خرج إلى الصيد فاجتاز في طريقه بصبيان يلعبون ومحمّد بن علي الجواد واقف عندهم ، [ وكان عمره يومئذ احدى عشرة سنة فما حولها ] ، فلمّا أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر عليهالسلام مكانه فقرب منه المأمون ونظر إليه وكأنّ الله سبحانه قد ألقى في قلبه مسحةً من حبّه ، فوقف المأمون وقال له : يا غلام ، ما منعك من الانصراف مع الصبيان ؟
فقال له الجواد عليهالسلام : « يا أمير المؤمنين ، لم يكن الطريق ضيّقاً فيوسعه ذهابي ، ولم تكن لي جريمة فأخشاها ، وظنّي بك أنك لا تعاقب من لا ذنب له » (١).
فبهت المأمون وأعجب كلامه وحسن وجهه فقال له : ما اسمك يا غلام ؟
فقال : « يا أمير المؤمنين ، محمّد » (٢).
فقال : ابن مَن ؟
فقال : « [ يا أمير المؤمنين ] ابن علي الرضا ».
فترحّم على أبيه وتوجّه حيث قصد ، وكان معه بزاة ، فلمّا بعد أرسل بازاً منها
__________________
مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد موت أبيه الرضا وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقا منه درجة ثمّ نطق فقال : « أنا محمّد بن علي الرضا ، أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب النّاس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين وبعد فناء السماوات والأرضين ، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الشّك لقلت قولاً يتعجّب منه الأوّلون والآخرون ».
ثمّ وضع يده الشريف على فيه وقال : « يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل ».
(١) في المصدر : « يا أمير المؤمنين ، لم يكن بالطريق ضيق لأوسّعه عليك بذهابي ، ولم تكن لي جريمة فأخشاها ، وظنّي بك حسن إنك لا تضرّ من لا ذنب له ».
(٢) في المصدر : فقال : محمّد.