على درّاجة ، فغاب عن عينيه غيبة طويلة ثمّ عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة ، فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب ، ثمّ أخذها في يده وعاد إلى البلد من الطريق الذي أقبل منه ، فلمّا وصل ذلك المكان وجد الصبيان على ما فارقهم عليه ، فانصرفوا وأبو جعفر لم ينصرف ووقف كما وقف أوّلاً ، فلمّا دنا منه الخليفة قال : يا محمّد.
قال : « لبّيك يا أمير المؤمنين ».
قال : ما في يدي ؟
فقال : « يا أمير المؤمنين إنّ الله تعالى خلق بمشيئته في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصطادها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة [ أهل بيت ] النبوة ».
فلمّا سمع المأمون كلامه أعجبه وجعل يطيل النظر في وجهه وقال : أنت ابن الرضا حقّاً. وضاعف إحسانه إليه ، صلوات الله وسلامه عليه (١).
إمام هدى له شرف ومجد |
|
علا بهما على السبع الشداد |
إمام هدى له شرف ومجد |
|
أقرّ به الموالي والمعادي |
تصوب يداه بالجدوى فيغني |
|
عن الأنواء في السنة الجماد |
يبخّل جود كفيّه إذا ما |
|
جرى في الجود منهل الغواد |
بنى من صالح الأعمال بيتاً |
|
بعيد الصيت مرتفع العماد |
وشاد من المفاخر والمعالي |
|
بناء لم يشده قوم عاد |
فواضله وأنعمه غزار |
|
عهدن أبرّ من سحّ العهاد |
ويقدم في الوغا إقدام ليث |
|
ويجري في الندا جري الجواد |
فمن يرجو اللحاق به إذا ما |
|
أتى بطريف فخر أو تلاد |
من القوم الّذين أقرّ طوعاً |
|
بنبلهم الأصادق والأعادي |
فهو وإن صدرت منه هذه الكرامات ، ابن سيد الكائنات ، فمناقبه منها ما حلّ
__________________
(١) كشف الغمّة : ٣ : ١٣٤ ، وما بين المعقوفات منه.
ورواه ابن طلحة في مطالب السؤول : ٢ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وابن شهر آشوب في المناقب : ٢ : ٤٢٠.