في الآذان محلّ جلاها وأشنافها ، واكتنفت ذاته الشريفة شغفاً بها اكتناف اللآلي الثمينة بأصدافها ، وشهدت جميع الكائنات له أنّ نفسه مخصوصة بنفائس أوصافها ، قد احتلت من أوج النبوّة ذرى أشرافها ، وسكنت من الشرف شرفات أعرافها.
روي في كتاب كشف الغمّة عن حكيمة بنت الرضا عليهالسلام قالت : صرت يوماً إلى امرأة أخي محمّد الجواد عليهالسلام أمّ الفضل لسبب احتجت إليها فيه ، قالت : فبينما نحن كذلك نتذاكر فضل أخي وما أعطاه الله من العلم والحكمة ، فقالت امرأته أم الفضل : إلاّ أخبرك يا حكيمة بعجيبة رأيتها من أخيك لم يسمع مثلها ؟
قالت حكيمة : وما ذاك ؟
قالت : إنّه أغارني بجارية مرّة تسرّاها ، ومرّة بزوجة ، فشكوته إلى المأمون ، فقال لي : يا بنيّة احتملي ، فإنّه ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله . فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتتني امرأة كأنّها غصن بان أو قضيب خيزران ، فقلت لها : مَن أنتِ ؟
فقالت : أنا زوجة محمّد بن علي الرضا ، وأنا من ولد عمّار بن ياسر.
قالت أمّ الفضل : فدخل عَلَيّ من الغيرة ما لم أملك معه نفسي ! فنهضت من ساعتي وصرت إلى المأمون وكان ثملاً (١) وقد مضى من الليل وهن ، فأخبرته بحالي وقلت له : إنّ الجواد يشتمني ويشتم العبّاس ويشتمك ، وقلت له ما لم يكن ، فغاظه ذلك.
ثمّ إنّه قام وتبعني ومعه خادم حتّى دخل على أبي جعفر وهو نائم ، فضربه بالسيف حتّى قطّعه إربين وذبحه وعاد إلى مكانه ، فلمّا أصبح عرف ما كان بدا منه ، فأرسل خادماً ليعرّفه حال أبي جعفر عليهالسلام ، فمضى الخادم فوجد أبا جعفر عليهالسلام قائماً يصلّي ولا أثر عليه ، فعاد الخادم وأخبره بذلك وأنّه سالم ، ففرح بذلك وأعطى الخادم ألف دينار ، وحمل إلى أبي جعفر عشرة آلاف دينار ،
__________________
(١) ثمل الشراب : نقعه حتّى اختمر ، وثمل الشراب فلاناً : أثمله. ( المعجم الوسيط ).