جعفر رجل مُعلن بالفسق ، فاجر شريب للخمر ، أقلّ من رأيته من الرجال ، أهتكهم لنفسه ، خفيف الميزان ، والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ، فما نظرت إليه ولا عرفت من هو ، وأمّا ابن الرضا لمّا اعتلّ بعث إلى أبي فركب من ساعته إلى دار الخلافة ورجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصته ، فأمرهم بلزوم دار أبي محمّد عليهالسلام وتعرّف أخباره ، وبعث إلى نفر من الم [ ت ] طبّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعهّده صباحاً ومساءاً ، فلمّا كان بعد يومين أخبر أنّه قد ضعف ، فركب حتّى بكّر إليه بنفسه وأمر الم [ ت ] طببّين بلزوم داره ، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره وأمره أن يختار عشرة ممّن يثق بهم في دينهم وورعهم وإمامتهم ، فبعث بهم إلى دار أبي محمّد وأمرهم بلزومه [ ليلاً ونهاراً ، فلم يزالوا هناك حتّى توفّي عليهالسلام ] (١).
__________________
(١) كشف الغمّة : ج ٣ ص ١٩٧ في مناقبه وآياته ، وما بين المعقوفات منه ، وزاد بعده :
فلمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّة واحدة ، وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقوّاد والكتاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته ، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة ، فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكّل فأمره بالصلاة عليه ، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة والقواد والكتّاب والقضاة والمعدلين ، وقال : هذا الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه ، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان ، ومن المتطببيّن فلان وفلان. ثمّ غطى وجهه وصلّى عليه وأمره بحمله.
ولمّا دفن جاء جعفر أخوه إلى أبي فقال له : اجعل لي مرتبة أخي ، أنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ! فزبره أبي وأسمعه ما كره ، وقال له : يا أحمق ! السلطان أطال الله بقاءه جرّد بسيفه في الذين يزعمون أن أباك وأخاك أئمّة ليردّوهم عن ذلك ، فما تهيّأ له ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير سلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا. فاستقلّه أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه ، فلم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي ، وخرجنا وهو على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي اليوم وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً ، وشيعته