فجعلن بتبخترن في خطواتهن ينظرن لميال قاماتهن حتّى وصلن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسلّمن عليه وقلن : يا محمّد ، إنّك ، وإن كنت فينا في الملّة غريباً فأنت منّا في النسب قريب ، فلا تقطع حبل النسب منّا ، ولا تختار البعد عنّا.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « وما ذاك ؟ »
قلن : إنّ عندنا عرساً وزفافاً ، ونلتمس من حضرتك الشريفة وطلعتك المنيفة أن ترسل معنا خاتون القيامة وأصل الإمامة فاطمة عليهاالسلام لتزيّن مجلسنا وتنوّر محلّنا ، ويكون لمجمعنا الرونق والنظام ، ويحصل لعرسنا العزّ والإكرام. وقد أرادوا بذلك خجل الزهرا عليهاالسلام.
فأطرق رسول الله صلىاللهعليهوآله رأسه مفكّراً وقال لهم : « نعم ما أشرتم ، غداً إن شاء الله أرسلها إليكم لتحوز ثواب زفافكم ».
فمضين النساء مسرعات ، وقام النبيّ صلىاللهعليهوآله من وقته إلى ابنته وشجرة عترته وقال لها : « يا قطعة جسدي ويا فلذة كبدي ، اعلمي أنّ خواتين قريش ، وأهل المفاخرة والطيش ، قد طلبوا منّي حضورك مجلسهم ، والتمسوا وصولك عرسهم ، لتحضري وقت زفافهم ، ويحملوك على أكتافهم ، وقد أمرنا فاطر السماوات وبارئ النسمات بأن نقابل جفاء الأعداء بالصبر ، ونوازي أذاهم بالشكر ».
فأطرقت الزهرا عليهاالسلام رأسها ساعة إلى الأرض ثمّ قالت : « أنا أمة الجبّار ، وخادمة لمحمّد المختار ، فلا أستطيع التجاوز عن حكمكما ، ولا التعدّي عن أمركما ، يا أبتاه سوف أمتثل أمرك العالي وأعمل بحكمك المتعالي ، ولكن دهرنا غدّار ، يخون بأهل الشرف والمقدار.
يا أبتاه بأيّ حلّة أتزيّن ، وبأيّ حلية أحتشم بها وأتبيّن ؟ أألبس ردائي المرقّع المخرّق ؟! أم قناعي العتيق الممزّق ؟!
يا أبتاه نسوة قريش متلوّنين بأفخر الملابس ، متّكئين على الأرائك في صدور المجالس ، فكيف بي إذا وصلت إليهم ، وجلست لديهم ، فكلّ منهم ينظرني بالطعن والتهكّم ، ويرمقني بالإستهزاء والتبسّم.
يا أبتاه إنّ هؤلاء كانوا لأمّي خديجة الكبرى خدّاماً ، فكم قبّلوا أعتابها إجلالاً وإكراماً ، واليوم هم في الحلل اليمانيّة ، والأردية الأرجوانية.