يا أبتاه إنّ نسوة قريش ما ينظرن إلاّ للزينة الدنيويّة ، ويعمون عن الزينة الأخروية ».
فقال صلىاللهعليهوآله لها : « يا ابنتي ويا نور مقلتي ، لا تغتمّي لهذه الدنيا الدانية ، والمدّة الفانية ، فإنّ ذا كلّه في معرض الزوال ، وما هي إلاّ كفيء نزّال ، يا بنيّة ، إن الفقر فخري والإعسار ذخري ».
فبينما هو كذلك إذ هبط الأمين جبرئيل عن الملك الجليل وقال : « يا محمّد ، ربّك يقرؤك السلام ، ويخصّك بالإكرام ، ويقول لك : أرسل ابنتك فاطمة تحضر زفافهم ، فإنّ الله سيظهر لها معجزات وكرامات ، وتفوز ببركة قدومها بعض النسوان بدولة الإسلام ».
فالتفت النبي إليها وأخبرها بما جاء به جبرئيل ، فقالت : « سمعاً لما قال به ربّي الجليل ».
فقامت ولبست مقنعة الفقر ، وتردّت برداء العصمة ، وتوجّهت نحو النسوة فريدة ، ليس لها خادمة تخدمها ، ولا أمة تحشمها ، فأرسل الله لها فوجاً من الحور العين ، فغيّبنها عن أعين الناظرين ، فلمّا وصلت مجلسهنّ ظهر منها نور شعشعاني ، أخذ بأبصارهنّ ، وحيّر أفكارهنّ ، فلمّا رأوها وقد أقبلت تمشي رويداً تسحب أذيال حلّة لم تر العيون مثلها ، وعلى رأسها تاج من الذهب مكلّل بالدرّ والجوهر ، وفي يديها أساوير من اللؤلؤ ، وفي رجليها خلاخل من الذهب الأحمر ، مرصّع بالفيروزج الأخضر ، ومعها وصائف كالنجوم الزاهرات ، حافّين بها من أربع الجهات ، رافعين أصواتهنّ بالتكبير والتهليل والتقديس للملك الجليل ، فلمّا دخلت المجلس تلجلجت ألسنتهنّ وحارت عقولهن وقالت بعضهن (١) لبعض : مَن هذه التي أرعبت قلوبنا وأدهشت عقولنا ؟ فمنهنّ من فرّت من المجلس لما أصابته من الغمّ ، ومنهن من حملته على السحر كما قيل لأبيها في القدم ، ومنهنّ من أسلمت على يد الزهرا ، وفازت بالسعادة الكبرى ، ثمّ قلن : يا بنت رسول الله ، مرينا بأمرك فإنّا سامعون ومطيعون.
فوا حسرتاه على ذلّها بعد أبيها ، وظلمها بعد مربّيها ، ووا لهفاه لاستهضامها ،
__________________
(١) هذا هو الصحيح ، وفي النسخة : « السنتهم ... عقولهم ... بعضهم » بضمير المذكّر.