واجتمع شيوخ أهل المدينة
وأقبلوا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقالوا له : يا أبا الحسن إنّ فاطمة عليهاالسلام تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا
بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معائشنا ، وإنّا نخبّرك أن تسألها إمّا أن تبكي
ليلاً أو نهاراً. فقال عليهالسلام : « حبّاً وكرامة ».
فأقبل أمير المؤمنين عليهالسلام حتّى دخل على فاطمة عليهاالسلام وهي لا تفيق من البكاء ، ولا
ينفع فيها العزاء ، فلما رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : « يا بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إنّ شيوخ المدينة يسألوني
أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً ». فقالت : يا أبا الحسن ، ما
أقلّ مكثي بينهم ، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً
، أو ألحق بأبي رسول الله صلىاللهعليهوآله ». فقال لها علي عليهالسلام : « افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك ».
ثمّ إنّه بنى لها بيتاً في
البقيع نازحاً عن المدينة يسمّى « بيت الأحزان » ، وكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن
والحسين عليهماالسلام أمامها وخرجت إلى
البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام إليها وساقت من بين يديه إلى
منزلها.
ولم تزل على ذلك إلى أن مضى
لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوماً ، واعتلّت العلّة التي توفّيت فيها ، فبقيت
إلى يوم الأربعين ، وقد صلّى أمير المؤمنين عليهالسلام صلاة الظهر وأقبل يريد المنزل ، إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات ، فقال
لهن : « ما الخبر ، وما لي أراكنّ متغيّرات الوجوه والصور » ؟ فقلن : يا أمير
المؤمنين ، أدرك ابنة عمّك الزهرا عليهاالسلام ، وما نظنّ تدركها.
فأقبل أمير المؤمنين عليهالسلام مسرعاً حتّى دخل عليها ، فإذا
هي ملقاة على فراشها ، وهو من قباطي مصر ، وهي تقبض يمينا وتمدّ شمالاً ، فألقى
الرداء عن عاتقه ، والعمامة عن رأسه ، وحلّ أزراره ، وأقبل حتّى أخذ رأسها وتركه
في حجره ، وناداها : « يا زهرا » ، فلم تكلّمه ، فناداه : « يا بنت محمّد المصطفى
» ، فلم تكلّمه ، فنادها : « يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على
الفقراء » ، فلم تكلّمه ، فناداه : « يا ابنة من صلّى للملائكة في السماء مثنى
مثنى » ، فلم تكلّمه ، فناداها : « يا فاطمة كلّميني ، فأنا ابن عمك علي بن أبي
طالب ».
قالت : ففتحت عينيها في وجهه
ونظرت إليه وبكت وبكى وقال : « ما الّذي تجدينه ، فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب ».
فقالت : « يا ابن العمّ ، إني
أجد الموت الذي لابدّ منه ولا محيص عنه ، وأنا أعلم أنّك بعدي لا تصبر على قلّة
التزويج ، فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي