فناداه وقال : « ادن منّي يا بُنيّ ». فدنا منه وقد قرحت عيناهما بالبكاء ، فمسح دموع الحسين بيده الشريفة ووضع يده على فؤاده وقال : « ربط الله على قلبك بالصبر ، وأجزل لك ولإخوانك عظيم الأجر ، فسكّن يا بُنيّ روعتك واهدأ من البكاء ، فإنّ الله قد آجرك على عظيم مصابك ».
ثم أمر بإدخاله إلى حجرته ، فأدخل إليها فجلس في محرابه ، فأقلبت إليه زينب وأم كلثوم حتّى جلستا إلى جانبه على فراشه وهما يندبانه ويقولان : « مَن للصغير حتّى يكبر يا أبتاه ؟ ومَن للكبير بين الملأ يا أبتاه ؟ ومن للضعيف حامياً ومجيراً يا أبتاه ؟ حزننا عليك طويل المدى يا أبتاه ، وعبرتنا عليك لا ترقأ (١) يا أبتاه ».
فضجّ الناس بالبكاء والعويل ، ففاضت دموع أمير المؤمنين عليهالسلام عند ذلك وجعل يقلّب طرفه في أهل بيته وأولاده (٢).
وفي الكتاب المذكور عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا ضرب أمير المؤمنين عليهالسلام غدونا نفراً من أصحابنا نريد الإذن عليه ، فقعدنا على الباب ، فسمعنا البكاء من داخل البيت فبكينا ، فخرج إلينا الحسن عليهالسلام وقال : « يقول لكم أبي : انصرفوا إلى منازلكم ».
فانصرف القوم غيري ، فاشتدّ البكاء من منزله عليهالسلام ، فبكيت ، فخرج الحسن عليهالسلام وقال : « ألم أقل لكم : انصرفوا » ؟ فقلت : والله يا ابن رسول الله إنّ رجلي لا تتابعني ونفسي لا تطاوعني على أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنين.
فدخل الحسن فلم يلبث إذ خرج وقال لي « ادخل ». فدخلت عليه فإذا هو مسنّد معصّب الرأس بعمامة صفراء قد نزف واصفرّ لونه ، ما أدري وجهه أصفر أم العمامة أصفر ! فانكببت على قدميه أقبّلهما وبكيت ، فقال لي : « لا تبك يا أصبغ ،
__________________
(١) رقأ الدمع : جفّ وانقطع.
(٢) رواه المجلسي في البحار : ٤٢ : ٢٨٨ ح ٥٨ عن بعض الكتب القديمة مع اختلاف في بعض الألفاظ.