وبين من أعان عليك.
قالت فاطمة الزهراء : يا أبت ، أيّ شيء تقول ؟
قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل (١) ، وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت : يا أبت ، وأين هذا الموضع الّذي تصف ؟
قال : في موضع يقال له « كربلا » وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمّة ، يخرج عليهم شرار أمّتي لو أنّ أحدهم شفّع له من في السماوات والأرضين ما شفّعوا فيه وهم المخلّدون في النار.
قالت : يا أبت ، فيقتل ؟
قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضون والملائكة والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس ، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك المصابيح في ظلمات الجور وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غداً ، أعرفهم إذا وردوا علَيّ بسيماهم ، وكلّ أهل دين يطلبون أئمّتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض ، وبهم تنزل الغيث.
فبكت فاطمة وقالت : يا أبت ، إنا لله وإنا إليه راجعون » (٢).
__________________
(١) « يتهادون إلى القتل » إمّا من الهدية كأنه يهدي بعضهم بعضاً إلى القتل ، أو من قولهم : هداه أي تقدّمه أي يتسابقون ، وعلى التقديرين كناية عن فرحهم وسرورهم بذلك.
(٢) ورواه فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره : ص ١٧١ برقم ٢١٩ ذيل الآية ١١١ من سورة التوبة ، وفي آخره : « فقال لها : يا بنتاه ، إن أهل الجنان ، هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقّاً ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ، [ وما فيها ] قتلة أهون من ميتته ، من كتب عليه القتل