وروي أنّ الحسين عليهالسلام لمّا وصل زبالة (١) أتاه خبر مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فعرّف بذلك جماعة ممّن معه ، وأخرج لهم كتاباً فقرأه عليهم وقال : « بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أمّا بعد ، فقد أتانا خبر فضيع : قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف ، من غير حرج ، ليس عليه ذمام ».
فتفرّق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب.
قال : وارتجّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم ، وسالت عليه دموع كلّ مسلم.
ثمّ إنّ الحسين عليهالسلام سار قاصداً لما دعاه الله إليه فلقيه الفرزدق فسلّم عليه وقال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم وشيعته. فاستعبر الحسين عليهالسلام باكياً وقال : « رحم الله مسلمًا » (٢).
ولله درّ من قال :
يا سائق الحرّة الوجناء أنحلها |
|
طيّ السرى وطواها الأين والوصب |
وجناء ما ألفت يوماً مباركها |
|
ولا انثنت عند تعريس لها الركب |
علامة بضروب السير أقربها منها |
|
إلى رائها التقريب والجنب |
تؤتى جوانبها تأبى مباركها |
|
حبّ السرى وكأنّ الراحة التعب |
عُج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت |
|
منه لمقلتك الأعلام والقبب |
وحيّ عنّي الألى أقمارهم طلعت |
|
من طيبة ولدي كرب البلا غربوا |
فأعجب بهم كيف حلّوا كربلا وقد |
|
كانت بهم تكشف الغمّات والكرب |
فأين تلك البدور التمّ لا غربوا |
|
وأين تلك البحور الفعم لا نضبوا |
قوم لهم شرف العلياء من مضر |
|
والمرء يوخذ في تحديده النسب |
__________________
(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. ( معجم البلدان : ٣ : ١٢٩ ).
(٢) ورواه المفيد في الإرشاد : ٢ : ٧٥ مع اختلاف.
ورواه السيّد في الملهوف : ص ١٣٤.