فللّه درهّم من رجال بذلوا نفائس النفوس ، وعرّضوا للصوارم الأعناق والرؤوس ، وتسنّموا في اليوم العبوس ، كلّ طمرة شموس ، وناطحوا في موقف الأذى والبؤس كلّ شمردل (١) حموس ، أخمدوا بجلادهم يوم داحس والبسوس ، وغادروا بحدادهم القرم الطموس تحت الجنادل مرموس.
روي في الكتاب المذكور أنّ الحسين عليهالسلام لمّا وصل على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحرّ بن يزيد الرياحي في ألف فارس ، فقال له الحسين عليهالسلام : « ألَنا أم علينا » ؟
فقال : « بل عليك يا أبا عبد الله ».
فقال الحسين عليهالسلام : « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلّي العظيم ». وترداد القول بينهما حتّى قال الحسين : « أيّها النّاس ، فإنّكم إن تتّقوا الله ربّكم ، وتعرفوا الحق لأهله ، يكون أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت نبيّكم أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم بحقّ ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلاّ الكراهة لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به رسلكم ، انصرفت عنكم ».
فسكتوا كلّهم ولم يردّوا عليه جواباً ، فقال لأصحابه : « قوموا فاركبوا ». فركبوا وانتظر حتّى ركّب نساؤه ، فقال لأصحابه : « انصرفوا ». فحال القوم بينهم وبين الإنصراف ، فقال الحسين عليهالسلام للحرّ : « ثكلتك أمّك ، ما تريد » ؟
فقال له الحرّ : أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمّه والثكل كائناً ما كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.
فقال الحسين عليهالسلام : « ما تريد إذاً » ؟
قال : أريد أمضي بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد.
__________________
(١) الشمردل : الصبيّ الجلد ، وقالوا : جمل شمردل وناقة شمردلة ، لقوّة سيرها. ( المعجم الوسيط ).