قال سيبويه : " وإنما جعل في الزمان أقوى ؛ لأنّ الفعل بني لما مضى منه وما لم يمض ، ففيه بيان متى وقع كما أنّ فيه بيانا أنه قد وقع المصدر".
وقد ذكرنا قوة الزّمان في باب الظروف على المكان وأن في الفعل بيانا لزمان محصّل من ماض أو غيره ، كما أن فيه دليلا على مصدر بعينه من بين المصادر.
قال سيبويه : " والأماكن لم يبن لها فعل ، وليست بمصادر أخذ منها الأمثلة". يريد أن الأماكن ليست بمنزلة الظروف من الزمان ، ولا بمنزلة المصادر.
قال سيبويه : " والأماكن إلى الأناسيّ ونحوهم أقرب ؛ ألا ترى أنهم يختصونها بأسماء كزيد وعمرو ، في قولهم : " مكّة" و" عمان" ونحوهما". يعني أنهم يلقّبون الأماكن ولا يلقّبون الأيام لقبا ينفرد به يوم بعينه من بين سائر الأيام ، كما انفردت مكّة عن سائر المدن بهذا الاسم ، ويوم السبت ، والجمعة ، ونحوه لكل يوم وقع في الأسبوع ذلك الموقع وإنما أراد سيبويه قوّة ظروف الزّمان وشدة إبهامها.
ثم قال : " ويكون فيها خلق لا تكون لكل مكان ولا فيه كالجبل والوادي والبحر. والدهر ليس كذلك ، والأماكن لها جثّة ، وإنما الدهر مضيّ الليل والنهار ، فهو إلى الفعل أقرب".
يريد أن الأماكن فيها خلق ثابتة مختلفة كاختلاف الناس وثباتهم ، وهي جثث كما أن الناس جثث. والدّهر جزء منه يبقى ولا يثبت ، وليس فيه خلق مختلفة ، وإنما هو الليل والنهار يتكرّران ويعودان بساعاتهما ، ويقرب من الفعل بأشد من قرب المكان ؛ لأن الفعل أيضا إنما هو حركات تتقضّى كتقضّي الزمان ، وإنما أعني بالفعل هاهنا ما عناه النحويون ، دون الفعل الحقيقي ؛ لأن العالم إنما هو فعل الله تعالى أحدثه وخلقه ، وإنما أعني اللفظ بفعل ويفعل ، وذلك أنّ الإنسان إذا كان في حال فعل ، فقلنا إنه يفعل الآن ، لم يثبت على هذا أكثر من وقت واحد حتى يصير إلى أن تقول فعل ، فحال الفعل متقضّية غير ثابتة كالزّمان ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.
هذا باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله إلى مفعولين
فإن شئت اقتصرت على المفعول الأوّل ، وإن شئت تعدّى إلى الثاني كما تعدّى إلى الأول.
" وذلك قولك : أعطّى عبد الله زيدا درهما" ، و" كسوت بشرا الثّياب الجيادّ" ومن